ياسين محمد عبد الله
دخلت الحرب في شمال إثيوبيا مرحلة خطيرة أكثر تهديداً لوحدة البلاد والسلام بين مكوناتها القومية المختلفة. كانت أطراف الحرب الداخلية في النزاع حتى يونيو الماضي هي: الجيش الفيدرالي، الأمهرا والتغراي. لكن اليوم تشارك في القتال تقريباً كل القوميات بعد أن طلب رئيس الوزراء آبي أحمد من الأقاليم الإثيوبية إرسال قوات لقتال قوات دفاع تغراي.
اتسعت الرقعة الجغرافية للحرب بعد أن هاجمت قوات دفاع تغراي إقليمي العفر والأمهرا، وسيطرت على بعض المناطق فيهما. وكثفت قوات متمردة في إقليمي أورموا وبني شنقول هجماتها ضد الجيش الفيدرالي، وهناك تقارير عن استيلاء تلك القوات على بلدات كل في إقليمه، هذا إضافة للنزاعات الإثنية الأخرى مثل تلك التي تجددت بين العفر والصوماليين.
اللاعب الرئيس في القتال الجاري الآن هو قوات دفاع تغراي التي ستكون لأجندتها وقدراتها العسكرية والسياسية الدور الحاسم في تحديد وجهة البلاد. السبب الرئيس المعلن من قبل قيادة التغراي لنقل القتال إلى إقليمي الأمهرا والعفر والذي يبدو أن المجتمع الدولي يأخذ به هو السعي من أجل فك الحصار عن الإقليم وضمان وصول المساعدات الإنسانية إليه، وإجبار الحكومة على القبول بشروطها للتفاوض على وقف إطلاق النار والاتفاق على مرحلة انتقالية.
كيف ستضغط قوات دفاع تغراي على الحكومة الفيدرالية من خلال مهاجمة إقليمي العفر والأمهرا؟!
هناك ثلاثة منافذ محتملة لإقليم تغراي إلى العالم الخارجي: الأول هو ذاك الذي يتيح للإقليم التواصل مع السودان وهو الوحيد المباشر. المنفذ الثاني هو ذاك الذي يمر عبر إقليم العفر ويربط الإقليم بجيبوتي. أما الثالث فهو الذي يربط الإقليم بأديس أبابا ويمر عبر إقليم الأمهرا.
أعطت الحكومة الفيدرالية وحليفاها أسياس أفورقي ومليشيا الأمهرا أهمية قصوى للمنفذ الأول الذي يربط غرب تغراي بالسودان، عندما بدأوا الحرب في نوفمبر الماضي بالسيطرة عليه، ولم ينسحبوا منه بعد انسحابهم من الإقليم. يبدو هذا المنفذ الأكثر تحصيناً في وجه قوات دفاع تغراي لذا تجنبت هذه القوات مهاجمته مباشرة ولجأت إلى مهاجمة مناطق أخرى في إقليمي أمهرا والعفر.
هذا المنفذ هو الهدف الاستراتيجي للجبهة الشعبية لتحرير تغراي في قتالها الحالي، فهو المنفذ الوحيد إلى العالم الخارجي وتحديداً إلى السودان الذي قد يكون متعاطفاً مع الإقليم لأسباب معلومة، ثم إن المنطقة التي يقع فيها هذا المنفذ تتبع وفقاً للدستور الإثيوبي الحالي لإقليم تغراي، وتُعد من قبل قادة الإقليم أراض محتلة.
هاجمت قوات دفاع تغراي إقليم العفر في محاولة لإغلاق الطريق الذي يربط بين جيبوتي وأديس أبابا، والذي تعتمد عليه الأخيرة في نقل وارداتها وصادراتها من وإلى العالم الخارجي. من شأن إغلاق هذا الطريق أن يتسبب في أزمة اقتصادية في البلاد، ويمكن أن يهدد بإسقاط الحكومة الفيدرالية.
قيل أيضاً في تفسير نقل القتال إلى إقليم العفر إن قوات تغراي تريد التهديد باحتمال التوغل داخل الأراضي الإريترية من خلال إقليم دنكاليا. استولت قوات دفاع على مناطق في إقليم الأمهرا ليست محل نزاع بين الإقليمين، كانت آخر تلك البلدات بلدة ليلاببلا ذات القيمة الدينية والأثرية. غالباً ما يُقصد بهذه الهجمات إجبار قوات الحلفاء الثلاثة على الانسحاب من المنطقة المتنازع عليها.
وضعت حكومة إقليم تغراي في بيان أصدرته في 27 يوليو (5) شروط للجلوس والتفاوض حول وقف إطلاق النار. شملت تلك الشروط إعادة الخدمات الأساسية للإقليم، الإتاحة الفورية لميزانية عامي 2020 و2021 للإقليم، إنشاء معابر متعددة واستخدام كل وسائل المواصلات لإيصال المساعدات الإنسانية لإقليم تغراي، إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين الذين اُعتقلوا على أساس الهوية، الإيقاف الفوري للاعتقالات الجماعية للتقارو واستهدافهم.
وقد اشترطت حكومة الإقليم أن يتم تطبيق شروطها، وأن يُعلن ذلك من خلال وسائل الإعلام الوطنية والدولية. وإذا عملنا أن البرلمان الفيدرالي كان قد اتخذ قراراً باعتبار الجبهة الشعبية لتحرير تغراي منظمة إرهابية سندرك المصاعب التي تقف أمام التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار، بجانب تعقيدات أخرى كثيرة على الأقل على المدى القريب.
نقل القتال إلى إقليمي العفر والأمهرا عمل تكتيكي تسعى الجبهة الشعبية لتحرير تغراي من خلاله لتهيئة الأجواء للحصول على حق تقرير المصير لإقليمها.
لقد برز ميل قوي بين سكان إقليم تغراي وقادته للانفصال عن إثيوبيا وبناء دولة تغراي المستقلة بعد حرب نوفمبر. تعود جذور الميل للانفصال إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي عندما ضمنت الجبهة الشعبية لتحرير تغراي برنامجها هدف الانفصال، لكنها اضطرت بعد فترة قصيرة إلى حذفه نتيجة لضغوط مورست عليها من عدة جهات. حرب نوفمبر واستهداف التقارو على أساس إثني والفظائع التي اُرتكبت ضدهم لم تحي فقط الميل القديم للانفصال بل جعلته أقوى.
هل تحقيق الانفصال وإعلان دولة مستقلة في إقليم تغراي ممكن في ظل الأوضاع الداخلية في إثيوبيا، الأوضاع الإقليمية والدولية والمكانة الجيوسياسية للإقليم وقدراته الاقتصادية؟!
هذا ما سأتناوله لاحقاً.