أسلوب النضال ليس مزاجيا، بل حتمية تفرض نفسها!!

2016-04-07 13:15:36 Written by  Published in EPDP Editorial Read 2924 times

ماعدا المهووسين بحب وتقديس الهقدف لا أحد يجادل في أن حل مشكلات ارتريا العويصة يتطلب نضالاً جاداً ودءوباً، وعملياً هذا مطبق وإن تباينت الأوعية والسبل والأشكال التي يتمظهر فيها هذا النضال، وحتى طبيعة المشكلات شبه متفق عليها بيننا، يأتي علي رأس مشكلات البلاد والعباد اشتداد حدة قمع النظام للشعب وغدره بأحلام وأماني الشعب. وأول الحلول لتلك المشكلات بالطبع يتمثل في إزالة ذلك النظام الذي هو أس البلاء في البلاد وإبداله بنظام شعبي ديمقراطي عادل يجعل الكل سواسية أمام القانون مراعياً التعدد السياسي والاجتماعي الارتري. علماً أن وصف النظام بعدو الشعب ليس كافياً بل يجب دراسته كظاهرة فريدة وشاذة في التاريخ القديم والحديث. ذلك أن مثل هذه الدراسة سوف تجنبنا مستقبلاً الانزلاق الي المزالق التي أخذت بالنظام إياه الي مصير التردي والانهيار. علي أن تكون الدراسة شاملةً ودقيقة.

 

كلنا ندرك أننا نختلف في تقييم ووصف الطبيعة السياسية لطغمة الهقدف، فبعضنا يصفها بعدو الديمقراطية والشعب بلا تمييز، بعضنا الآخر يحصرها في زوايا أضيق فيربطها بالانتماءات الدينية والقومية، هناك أيضاً من يصفها بالصلف العسكري، ومن اختلافنا في وصفها وتقويمها ينبثق اختلافنا في اتخاذ ما يراه كلٌّ منا الوسيلة الأنجع في مواجهتها، فبعضنا يرى الحرب والعنف المسلح هي الوسيلة الأمثل وآخرون بالعكس يرون الأسلوب اللا عنفي هو الأسلم والأجدى. وكلا الوسيلتين بالطبع قديمتان وليستا من اختراعنا اليوم، وقد جربتا ونجحتا في إسقاط أنظمة دكتاتورية كثيرة، وخلاصة الهدف والنتيجة من كليهما اجتثاث الدكتاتورية، لكننا وإن اختلفنا في كل شيء فلن نختلف علي أن تلك النضالات والطرق النضالية لا شك تختلف من حيث ما تستغرقه من وقتٍ وثمن وما يترتب عليها من آثار بعد سقوط وزوال الدكتاتورية.

 

عندما نقف وجهاً لوجه أمام حتمية ومسئولية اختيار أي الطريقين النضاليين نتخذ، فالاختيار يجب أن لا يكون مزاجياً خاضعاً لنزواتنا وأمزجتنا وميولنا الشخصية، بل خاضعاً للدراسة والتقييم العلمي الدقيق. ومن أهم ما يجب أن يخضع للدراسة العوامل والنقاط الآتية: الاستعداد والحماس الشعبي، إعداد واستعداد القوى الشبابية، جوانب ضعف وقوة العدو، طبيعة ودرجة علاقته بالشعب، الإمكانات المادية والمعنوية والبشرية لكلا الطرفين، الوضع الاقليمي والدولي.

 

 

والنتيجة الدقيقة والنزيهة لدراسة تلك العوامل والنقاط هي التي سوف تقودك الي اختيار الطريق الأمثل بطريقة حتمية لا تعرف المزاح والتردُّد. وإذا درس كلٌّ منا الأمور علي طريقته ومزاجه الخاص لا شك سوف ننتهي الي نتائج متباينة ونتخذ من ثم خيارات وبدائل شتى. ولكن كلما كان خيارنا مزاجياً وغير علمي كلما كنا بعيدين عن الصواب والطريق المؤدي الي الخلاص.

 

اختيار أسلوب النضال ليس أسورة ولا أوسمة نتوشحها ولا نشيداً نترنم به، إنه عمل جاد نجني ثمرته ونحس ما حققه من تغيير حقيقي في حياتنا. كما لن يثمر النضال شيئاً إذا اقتصر أمره علي إعلان الاتجاه فقط أو رفعه شعاراً، ولا شك ينقصنا الكثير حتى نحول أسلوب نضالنا الي أسلوبٍ أكثر فعاليةً ونضوجاً. إذا شعرت بعدم قدرة أسلوبك النضالي علي الإنجاز والإنجاب فأعد المحاولة بعد دراسة عوامل الفشل والنجاح. للأسف مثل هذا الأسلوب العلمي في تقييم أدائنا النضالي ليس مألوفاً في الساحة الارترية المعارِضة. يجب أن نتجنب روح الشعارات والعنتريات الورقية، فالتقييم ليس بالهتاف بما نعتنقه من أسلوب النضال بل بالعمل والنتيجة علي أرض الواقع. لذلك نكرر مجدداً أن العبرة بما نصل اليه من عمل أو قرار عبر دراسة جادة وليس من خلال تقديس الشعارات وعشق تقلـُّــد السيوف والبنادق، حيث لا يجب تقديس الأشياء والشعارات لذاتها بل لنفعها الملموس وفعاليتها المرئية.

 

حزب الشعب الديمقراطي الارتري لم يعلن اتخاذه اللا عنف أسلوباً نضالياً إلا بعد دراسة دقيقة ومنطقية لما ذكر آنفاً من عوامل ونقاط. ولأنه لا يؤمن بفرض دراسته وتقييمه وما توصل من نتائج أوصلته الي خياره النضالي الخاص به علي الآخرين، لا يعترض علي ما توصل اليه الآخرون من أسلوب نضال بوسائلهم وعبر دراساتهم الخاصة وبجهودهم وظروفهم الذاتية والموضوعية. لكنه بلا شك يعتقد جازماً أن أسلوبه هو الأسلوب النضالي السليم والواقعي. بيد أنه للأسف الشديد، فالسائد الآن في أوساط معسكر المعارضة الارترية جهلاً أو عمداً هو الفهم الخاطئ لهذين الأسلوبين ( العنفي واللا عنفي ) والذين لكلٍّ منهما تاريخ طويل من النجاحات والخيبات والأسباب والمسببات. كأن يعتقد البعض أن أسلوب نضالهم هو المعيار المحدِّد للأكثر شجاعةً وقوة والأفضل أهليةً للإتيان بتغييرٍ حقيقي، مع التقليل المستمر من شأن خيارات الآخرين والاستخفاف بآرائهم. هذا علي الرغم من عدم تحقيق أية نتائج علي الأرض من قبل من يدَّعون نجاعة وصواب أسلوبهم النضالي. علي سبيل المثال مع إدراك هؤلاء عياناً نجاحات الأسلوب اللا عنفي في شمال افريقيا ومواكبته لمتطلبات العصر يصفون دعاته بالإصلاحيين والمترددين ومن ينتظرون أن يوزع عليهم النظام بطاقات دعوة مطرَّزة للحوار بل اعتبار الدعوة للاَّ عنف محض استسلام. لكن عندما يواجه العنفيون بسؤال البيان بالعمل، كلٌّ في ميدانه، لا شك يعجزون عن الإجابة.              

Last modified on Thursday, 07 April 2016 15:18