لا عمل بلا تنظيم كما لا ثمر بلا زرع
2015-12-03 18:00:02 Written by اعلام حزب الشعب الديمقراطي الارتري Published in EPDP Editorial Read 2462 timesفي السياسة وغيرها من المجالات يتمنى الكل أن يكون مستقبلهم أفضل من حاضرهم، ولأنهم يعلمون أن تمنياتهم هي أيضاً تمنيات الآخرين كثيراً ما يعملون علي مد أيديهم الي مشاركيهم في الرغبة والهدف، وذلك لأن التعاون بين أصحاب المشروع الواحد خير وسيلة لتحقيق الأهداف المشتركة’ كما أن العمل المشترك من شأنه أن يضاعف الإنتاج أكثر من تأدية العمل فـُــرَادَى. ولأن من عوامل استدامة ونجاح التعاون والتقارب اتخاذ دليل أو قانون عمل مرشد ترى الجهات المتقاربة ضرورة الانتظام والتأطـُّـــر بما يؤمن لها ذلك النجاح. وبذلك ينتظمون في سلك أو إطار ما يسمونه بحزب، تنظيم أو أي مُـسمَّـــىً آخر. إن المنتظمين في مثل هذا الإطار ينشأون من الشعب ويعيشون في خضم بحر الشعب، تماماً كالأسماك في البحر، وكما لا يعيش السمك دون بحر، فإن كل تنظيم يستند علي الشعب لن يعيش أو ينمو بلا شعب.
التنظيم أو التأطير ليس قوة فحسب، بل لا تغيير أو نصر يتحقق بلا تنظيم، إن من يرنو الي التغيير ولا يؤمن بضرورة التنظيم لذلك التغيير لن يحقق ما يرفعه من شعار التغيير.
الأوعية التنظيمية من تنظيمات، أحزاب سياسية أو جمعيات مدنية لن تكون جديرةً بتمثيل الشعب ما لم تلتزم بقوانين التنظيم والتأطُّـر حولها. إن عدم الأهلية لتمثيل الشعب تعني أنه ما لم تشتمل أهداف تلك التنظيمات أو المنظمات علي الأهداف الوطنية والشعبية العامة فإن الاقتصار علي رغبات عضويتها فقط لا يؤهلها لتمثيل الشعب. هذا وبالطبع فإن مصلحة الشعب تختلف ضيقاً واتساعاً حسب حجم الوعاء التنظيمي الذي يخدم أو يحقق تلك المصلحة. كما أنه ليس كل شكل أو مسمى تنظيمي هو بالضرورة يستهدف السهر علي خدمة الشعب، فالقوى المضادة لمصلحة الشعب أيضاً تستخدم بدورها التنظيم واستقطاب الناس الي صفوفها. ذلك أنه ليس من عمل أو مشروع – بناء أو هدَّام – يتحقق بلا تنظيم أو وعاء تنظيمي يحتضنه ويتبناه.
بعض الأفكار غير المنطقية التي تظهر لمعالجة الأوضاع السالبة والسائبة في معسكر المعارضة من حين لآخر واحدة من مظاهر التقييم الخاطئ للعلاقة بين ضرورة التنظيم ودور الشعب وكذلك الحال في الحكم علي التنظيمات والأحزاب ضعفاً وقوة. علي أن تلك الأحكام علي علاتها هي أقل قسوةً من اعتبار حق التنظيم جريمةً يعاقب عليها القانون. إن الحديث الناقد عن قوة أو ضعف التنظيم أو الحزب أمر محبـَّــذ وليس مستهجناً، خاصةً إذا كان النقد يقترح الحلول والبدائل ولا يقتصر علي تعديد العيوب فقط. إن نَسْــب الأخطاء والرزايا الي التنظيمات فقط لأنها تنظيمات أو أطر تنظيمية أمر غير قابل للهضم ولا للاستيعاب، الأسوأ إذاً هو التحريض علي التنظيمات كي يكون طلاب التغيير لقمةً سائغة للأنظمة الدكتاتورية القمعية، وحتى يكون نقد التنظيمات موضوعياً وعادلاً يجب أن يبتعد عن وضع الحسن والسيئ من التنظيمات في سلة واحدة كي يتخذ من مجرد حق التنظيم ستاراً يقنن القمع والافتئات علي حق التنظيم. إن اختلاق العيوب وإلصاقها بالتنظيمات جزافاً يضر بالمنتقد أكثر مما يضر تلك التنظيمات، من أمثلة هذا النقد المجاني ما أثاره مؤخراً المجلس الوطني للتغيير من (أن التنظيمات خارجه هي التي قوَّضت أركانه)، أما كان الأجدر بهذا المجلس أن يتساءل ما إذا كان من الأساس قائماً علي أرضية صلبة مقاومة للسقوط والانهيار عـِــوَض إطلاق هذه الأحكام المجانية الجاهزة بالتبرؤ من الفشل بنسبته الي الآخرين؟؟؟!!! نحن ندرك أن المجلس المذكور كمظلة سياسية جامعة لطيف واسع من الانتماءات السياسية والتنظيمية وحتى المجتمعية لابد أن تجري داخله المنافسات والمناورات والمساومات الحادة حيناً والهادئة حيناً آخر. وفي مؤسسة كهذه تحمل في أحشائها مبدأ التنافس وتقر بمشروعيته من الطبيعي أن يكون بين المتنافسين غالب ومغلوب حسب قواعد اللعبة التنافسية، والفوز أو الخسارة في هذه المنافسة تحدده العوامل والقواعد الداخلية الحاكمة للمنافسة.
إن القول بأن (علي الشعب أن يأخذ بزمام المبادرة بدلاً عن انتظار الحلول من التنظيمات السياسية) قول قديم ولا غبار عليه، لكنه عندما يأتي من أناس أدمنوا الهجوم المرير علي القوى المنظمة يصعب فهم مضمونه وما إذا كان ينطلق من البراءة أم من الغرض؟؟؟ إن توَلـِّـي الشعب أمره بنفسه بالطبع والمنطق لا يعني أن يكتفي كل شخص بصب اللعنات علي نظام الهقدف وهو يتكئ علي أريكته الوثيرة في حديقة منزله، في رأينا نحن أن توَلـِّـي الشعب أمر نفسه يعني أن يطوِّع الشعب الواقع لصالحه ويديره بنفسه، وبمعنى أكثر وضوحاً نقول إننا بذلك نعني أن يتولى الشعب أمر تحقيق التغيير بنفسه، وهذا بالطبع أمر لا يتأتى ونحن فرادى بغير تنسيق أو سلك ناظم أو وعاء تنظيمي يؤطر قوانا وطاقاتنا. لذا بدلاً من دعوة الشعب الي التبعثر بدعوى رفض التأطير، علينا أن نتأطر بغض النظر عن الاسم الذي نأتطر داخله، إن التنظيم قد ينطلق من الصفر أو من تحته لكنه ينمو ويصعد الي الأعلى حسبما تسمح به سياسته أو مبادئه التي قام علي أساسها. كما يجب أن يكون للتنظيم خط هرمي واصل بين أعاليه وأسافله والعكس. كذلك فإن التنظيم لا يقام فقط للانتقاص من قدر التنظيمات القائمة مهما بلغت من الضعف والقصور، بل للإتيان بما لم تستطع تلك التنظيمات الإتيان به، أي كقول الشاعر: ( إني وإن كنت الأخير زمانه ** لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل ). لذا بدلاً من التبرم من التنظيمات القائمة بدعوى الضعف والخرف عليك أن تقيم من التنظيمات ما تشاء بشرط أن تحمل رؤية وعقلية وأداء أفضل مما تملكه تلك التنظيمات لتنافسها به في ميدان العمل والعطاء.
يجب أن ندرك أن أي تنظيم من التنظيمات القائمة لم يعلن نفسه الي اليوم أنه بخلاف تمثيله عضويته المتقيدة بدستوره ولوائحه يمثل بقية الشعب، هذا لا يعني أن التنظيم قد يدعي أن برنامجه يمثل ويكفل كافة مصالح الشعب ولذا علي الشعب الانضمام الي حزبه أو تنظيمه وأن تنظيمه الأمثل والأفضل من بين الجميع، هذا حقه غير المنقوص، كذلك حق الانتماء الي هذا الحزب أو ذاك لأن برنامجه أو سياسته تمثلني وتعجبني حق مكفول، ومن رأى أن ذات الحزب لم يعد يمثل طموحاته ورؤاه وبالتالي قرر تركه والتحق بآخر يراه يعكس رغباته فله ذلك، هو حر، لكن طال الزمن أم قصر سيأتي اليوم الذي تنقشع فيه سحابة العلاقة المدَّعاة بين الشعب والتنظيمات عندما تتقدم تلك التنظيمات ببرامجها التنافسية الي الشعب ليختار من بينها ما يروقه وأن كل تنظيم يومها بالطبع سوف يبذل كل المستطاع لكسب تأييدها الي جانبه. وكل منافسات فكرية أو تنظيمية تجري اليوم ما هي إلا تمهيد للمنافسة الكبرى في المستقبل عندما تتوفر الأجواء الصحية التي تضمن تلك المنافسة الشريفة. وعندما تحسم الانتخابات النزيهة نتيجة التنافس النزيه والدستوري يمكن حينها للحزب، التنظيم أو الجبهة التي كسبت الانتخابات أن تدَّعي بملء الفم أنها بالفعل تمثل الشعب. وعلي الشعب والتنظيمات التي لم يحالفها حظ الفوز بالسلطة أن يتقبلا النتيجة ويخضعا لحكم القانون وينصاعا لأوامر الإدارة القائمة في البلاد بحكم نتيجة التنافس الحر. اليوم أيضاً تجري محاولات لادعاء تمثيل الشعب، فعند تأسيس المجلس الوطني الارتري للتغيير الديمقراطي مثلاً اتفق الفرقاء علي تقاسم مقاعد التمثيل فيه بنسبة 60% لمنظمات المجتمع المدني، أي الشعب، و40% للتنظيمات السياسية، أي حكومات الغد، لكن ذلك أثار تساؤلات من قبيل ما هو المعيار الذي يعطي التنظيمات المدنية الحق في تمثيل الشعب وكيف؟ وما الذي يمنع التنظيمات السياسية من ذلك؟ وبالفعل فإنه لا يصح أن تدعي مجموعة محدودة الأفراد أنها تمثل الشعب، لكن يمكن لأيٍّ كان أن يتساءل: وماذا فعلت التنظيمات لهذا الشعب؟ إلا أن الأصح والأفضل أن يبدأ أحدنا مثل هذا التساؤل بنفسه فيقول: (وما الذي فعلته أو قدمته أنا للشعب؟؟؟).