لا تغيير أساسي يتحقق بانتهاك حقوق الانسان ولا بتجاوز مبدأ حكم القانون

2015-04-01 20:04:37 Written by  اعلام حزب الشعب الديمقراطي الارتري Published in EPDP Editorial Read 3162 times

في الوقت الراهن لا يوجد في الساحة السياسية الارترية اتفاق علي تحديد ماهية ما نسميه بالتغيير الأساسي، فالبعض يرى أن هذا التغيير لا يتم إحداثه إلا بالعنف. والبعض يعتقد أن التغيير يحدث عند القضاء علي النظام ومن يناصرونه من المواطنين بالتصفية الجسدية أفراداً وجماعات. بمعنى آخر يرى هؤلاء أن التغيير إنما يتم باستبدال أناس بعينهم بآخرين دون كبير اهتمام بالبديل الفكري المغاير لنهج النظام الدكتاتوري الحاكم، لكن هذا ليس بتغيير.

التغيير الأساسي يعني تغيير المنهج السياسي الاقتصادي الاجتماعي الدكتاتوري الحاكم بنظام سياسي، اقتصادي اجتماعي أفضل، بإيجاز يجب تغيير الدكتاتورية بإبدالها بالديمقراطية. لكن هذه عملية عميقة وبعيدة المدى لا تتم في ليلة أو شهر أو حتى عام. فالمسيرة تبدأ باجتثاث الحكومة الدكتاتورية القائمة ثم إبدالها بحكم انتقالي سلمي ثم بوضع نظام دستوري ديمقراطي يتيح للجميع حرية التنافس السلمي علي السلطة بين الفرقاء السياسيين، وهذه بالطبع عملية محفوفة بالعديد من المخاطر والتحديات، كما أن الوصول لنظام كهذا يتطلب الحوار والوفاق والإنصاف ...الخ، كذلك فإن الديمقراطية نظام يتعزز ويترسخ عبر الأجيال والأزمان وليس مناً وسلوى ينبت تحت أرجلنا فور رحيل النظام الدكتاتوري. كما أننا لا نتوقع أن ترقى الديمقراطية في بلداننا الافريقية الي مستوى الديمقراطيات الغربية التي نبتت ونمت وتعززت عبر مئات السنين واغتنت بالتجارب الثرة.

التغيير الأساسي لا يتحقق فور زوال النظام الدكتاتوري، فهناك أيضاً تجارب من حولنا استبدلت دكتاتوراً بدكتاتور، فالتغيير يجب في المقام الأول أن يغير الحياة المعيشية للمجتمع ويغير ويطور وعيه وتفكيره. علماً أن التعليم هو الذي يقود عملية التغيير الاجتماعي وليست الحرب، التغيير أيضاً لا يأتي استجابة لتمنيات وأحلام أفراد أو حتى جماعات ضئيلة العدد فاقدة القدرة. عملية التغيير لها قوانينها الداخلية، التغيير يحتم تغيير عقلية المجتمع تغييراً كلياً، أيضاً لا يتحقق التغيير إلا بالإيمان بدور الشعب الجذري في إحداثه، إن تحرير ارتريا من قبضة الاحتلال الأجنبي لم تتم بقوة وإرادة قلة من الأفراد أو المجموعات، بل هي عملية طويلة المدى تحققت بقوة واتفاق وتعاضد جميع قطاعات الشعب الارتري.

السلم والعنف بدورهما يرتبطان بعملية التغيير، فبدون السلام والاستقرار لن يكون هناك عمل ولا بناء ولا تقدم ولا ديمقراطية، كما لا ننسى أن الشعب دائماً ما يميل الي المسالمة. ذلك أن الحرب ترتبط دوماً في الأذهان بالفقد والموت والدمار والتشرد والجوع. فشعبنا اليوم وقد اكتوى بنار الحروب لا يحارب إلا دفاعاً عن نفسه أو بلاده، إنه ليس مستعداً لخوض الحروب لاسترداد حقوق الآخرين أو انتزاع أراضي غيره من الشعوب والبلدان. لذا يجب أن نعلم أن الحرب خيار الحكام الدكتاتوريين المجرمين المتعجرفين وليست خيار الشعوب المحبة للعدالة والسلام والانعتاق.

في الحرب غالباً ما يدفن الآباء أبناءهم وهم في رونق الصبا، أما في السلم فيغلب أن يدفن الأبناء الشباب أو الكهول آباءهم الشيوخ. بمعنى آخر بينما يرتفع معدل الوفيات في السلم في أوساط المسنين يرتفع معدلها في الحرب وسط الشباب والقادرين علي العطاء والقتال. إذاً فالحرب لا شك حاصدة الشباب وقوى الإنتاج والبناء. وبالطبع لا بناء ولا تعمير ولا تقدم بدون الشباب والتعليم وبلادنا خير شاهد علي ذلك. فكلما اشتعلت فيها الحرب أجبر الشباب علي إغلاق المدارس والكليات والمتاجر والمصانع وسيقوا قطعاناً الي جبهات وخنادق الحرب.

حكم القانون واحترام حقوق الانسان من أهم عوامل التغيير الأساسي، فإذا لم يتمتع الناس بحقوقهم وكرامتهم الانسانية لن ينشطوا في المساهمة في بناء بلادهم. كذلك فإن المجتمع الذي يسوده الكبت والعنف لن يحقق تغييراً أساسياً. المقهورون والمقموعون لن يشاركوا في شيء يتعلق ببلادهم بأريحية ونشاط.

العنف، الاضطهاد، انتهاك حقوق الانسان، الحرب، هذه أمور لا تتواءم والتغيير الإيجابي الأساسي، فمثلاً إنما تحقق في ليبيا من إسقاط نظام القذافي الدكتاتوري عبر انتفاضة شعبية تم اختطاف مكاسبه عبر التنظيمات القبلية والطائفية فتحولت البلاد الي ساحة لواحدة من أشرس الحروب الأهلية. والحال ذاته ينسحب بصورة أو بأخرى علي الحرب الداخلية في سوريا التي تحولت لساحة يتقاتل فيها أمراء الحرب الآتين من كل حدبٍ وصوب.

حرب أمريكا علي العراق وإن نجحت في إسقاط صدام حسين إلا أن البديل الذي خلفته صار حرباً أهلية متعددة الأطراف لا تبدو لها نهاية قريبة في الأفق. اليوم حتى الامريكان يعترفون بخطأ إقدام امريكا علي حل وبعثرة الجيش العراقي النظامي الذي أغرق حله العراق في أنهارٍ من الدماء العراقية البريئة.

أما انتفاضة تونس الشعبية التي أطاحت بنظام بن علي الدكتاتوري ثم أحلت مكانه نظاماً انتقالياً نقل البلاد الي مرحلة نظام ديمقراطي قوي ومستدام فيجب أن تكون المثال المحتذى والذي يجب حمايته من كل متغول عسكري أو مدني.

Last modified on Wednesday, 01 April 2015 22:07