إن مدة العام الفاصلة بين مهرجاني العام الماضي 2013م والعام الحالي 2014م لم تتبدل فيها حال الشعب الارتري الي الأفضل، بل ساءت كثيراً جداً. فقد تفاقمت الأوضاع المعيشية الي درجة أوصلت البلاد الي مشارف المجاعة جوعاً وعطشاً، فضلاً عن انعدام الإمداد الكهربائي. وكلكم تعلمون أن العاصمة أسمرا نفسها عانت من الإظلام الدامس وانقطاع شبكة الهاتف لأكثر من أسبوع. وفي الوقت الذي تعاني فيه النقفة من التضخم فإن أسعار المواد الاستهلاكية بدورها ارتفعت وتضاعفت. أما عن انعدام وندرة الخدمات الصحية فحدث ولا حرج، فحتى الأغنياء وأصحاب السلطة والنفوذ لا يحصلون علي تلك الخدمات علي ضآلتها وفقرها إلا بشق الأنفس والسفر الي السودان وبلاد أخرى للعلاج.
شباب البلاد وقواها المنتجة ذهبت أعمارها سدىً في العمل بالسخرة ضمن مشروع العبودية المسمى زوراً بالخدمة الوطنية العسكرية. أما من فاض به الكيل من هؤلاء الشبان والشابات فقد آثروا المغامرة بحياتهم علي إنفاق أعمارهم في المتاهة العدمية، فتعرضوا خلال مغامراتهم في مغادرة البلاد كيفما كان الي شتى صنوف الخطف والقتل والاعتقال والتعذيب والاغتصاب والحمل والولادة غير المرغوبين. والارتري اليوم صار بضاعةً رائجة في سوق النخاسة الحديثة، حيث يمكن أن يباع حياً مثله مثل أي رقيق، أو يباع ميتاً مثله مثل الشاة، فتغزو أعضاؤه الداخلية سوق قطع الغيار البشرية التي تباع علناً في مستشفيات وصيدليات الكثير من البلدان.
من الأحداث الفارقة التي حدثت بعد انفضاض مهرجان العام المنصرم 2013م مأساة حريق العبارة الايطالية بجزيرة لامبيدوزا الايطالية، تلك الحادثة التي جلبت أنظار العالم الي مآسي الارتريين في المهجر والداخل. وفي الوقت الذي حاول فيه نظام الهقدف الدكتاتوري الاستخفاف بتلك المأساة للتقليل من شانها بكى فيه العالم ضحايا المأساة، حيث رفعت الأمم المتحدة، الاتحاد الاوربي، الاتحاد الافريقي والكنائس العالمية عقيرتها بالتعاطف مع الضحايا والحزن عليهم. ونحن بدورنا في الوقت الذي نعلن فيه عن تضامننا مع الضحايا وتقاسمنا الأحزان مع ذويهم نؤكد من جديد علي عهدنا بالنضال الدؤوب لإسقاط واجتثاث النظام الدكتاتوري الذي هو السبب الأساسي الكامن وراء جميع مآسي ومشكلات شعبنا.
إخواني وأخواتي العزيزات
النظام محاولاً إخفاء عواره البيـِّـن يتعمد الكذب في وسائل اعلامه فيقول: بلادنا تنعم بالسير الحثيث علي طريق التنمية، وأن معظم برامج وخطط الألفية قد أنجزتْ، وأطفالنا يدرسون، طائراتنا تغزو أسواق الطيران مثل جدة وصنعاء. لكنه بالمقابل ينقل أخبار مآسي الآخرين بتركيز قوي ليذر الرماد في عيون الشعب فيوهمه بأنه بخير والآخرين من حوله في بؤس وشقاء.
إن الهقدف الذي غدر بوصايا وعهود الثورة والشهداء لا ننتظر منه الوفاء والالتزام بوعوده مهما ادعى ذلك وتشدق به. هذا وإذا كان الوفاء ليس من شيمة هذا النظام فمن باب أولى أن لا يفي بوعوده الكاذبة بالديمقراطية وإنفاذ الدستور.
إن الحل بأيدينا، فكما وجه أساقفة الكنيسة الكاثوليكية الأربعة في ارتريا بيانهم ونداءهم المعنون: (أين أخوك؟) يجب أن يتساءل كل منا ذات السؤال ويجيب عليه ويتصدى له بما يتطلب منه من واجبٍ نضالي. إن التفرج والسلبية تجاه ما يجري وتوجيه النقد للآخرين من فوق الأبراج العاجية وانتظار الحسنة والتحسن من النظام لن يساعد علي الحل، بل يعيقه.
حزب الشعب الديمقراطي الارتري يقوم بدوره النضالي الكامل في الإجابة علي تساؤلات الشعب، فهو في المجال الدبلوماسي لم يدخر جهداً في لفت نظر العالم والاقليم الي مآسي شعبنا بالداخل والخارج، كما يتابع بدقة وانتظام كافة شؤون وشجون المهاجرين الارتريين العالقين في شتى أنحاء العالم ويعمل علي حلحلة مشاكلهم، وإنجازاته في هذا المجال لا تكاد تحصى. كما يعمل بصفة خاصة علي تقديم المساعدات المادية والفنية والأكاديمية للاجئين الارتريين بدول الجوار الفقيرة كالسودان واثيوبيا والبحث من ثم عن بلد ثالث لتوطين هؤلاء وأمثالهم من ضحايا الاتجار بالبشر توطيناً شرعياً.
أيضاً سواء بالمشاركة مع قوى المجتمع المدني في التظاهر تضامناً مع قضايا اللاجئين أو دعمهم مادياً بجمع التبرعات، لعب أعضاء حزبنا دوراً كبيراً في إبقاء قضايا شعبنا حيةً أمام العالم ومنظمات حقوق الانسان.
أيضاً اهتماماً منه بمستقبل الأجيال الارترية الناشئة في أرض المهجر دعم الحزب مدرسة ود شريفي للاجئين الارتريين التي يدرس بها أكثر من 650 دارساً.
خلال العام المنصرم أيضاً شارك الحزب في نشاطات التحالف التقدمي للأحزاب الديمقراطية والاشتراكية الديمقراطية في العالم وبذلك نال العضوية المراقبة في منظمة (الأممية الدولية) والعضوية التأسيسية بمشاركته في المؤتمر التأسيسي للتحالف التقدمي العالمي، وبذلك حقق لمعسكر المعارضة الارترية مكسباً دبلوماسياً كبيراً.
حزبنا منطلقاً من مبدأ أن الشعب مصدر السلطات ظل يدعم ويشجع المبادرات الارترية نحو التدامج والالتقاء. كما شجع الحزب قيام الاتحادات والروابط المستقلة لقطاعي المرأة والشباب ومنظمات المجتمع المدني وجمع التنظيمات السياسية علي مائدة الحوار والوحدة علي برنامج الحد الأدنى وتشجيع الأنشطة السياسية والمدنية الارترية المشتركة علي مستوى المدن والدول والقارات.
إخواني الأعزاء، أخواتي الكريمات
لا يخفى عليكم أن النضال المضاد للنظام الدكتاتوري في بلادنا يتصاعد يوماً إثر آخر، بيد أن التنافس غير الشريف وغير المبرر بين مكونات هذا النضال قعد بأداء المعارضة عن إرضاء شعبها وأصدقائها. لذا يجب أن يكون هدفنا القريب والملح الآن إنقاذ شعبنا وبلادنا من الانهيار الشامل والوشيك الذي تتعرض له علي يد النظام. لذا يجب أن تتوجه كل القوى والجهود لهذا الهدف الوطني الديمقراطي النبيل، صحيح أننا أبرزنا كمعارضين قصوراً كبيراً في هذا الصدد. لكن مما يبشر بخير أننا بدأنا نتفحص ونميز نقاط ضعفنا ومكامن تقصيرنا، كما أن فشلنا في معالجة مواطن القصور والعيوب يعني افتقارنا الي الشجاعة والإرادة السياسية.
إن ما تتطلب المرحلة الحالية الإجابة عليها من أسئلة ومهمات تنحصر في رأيي في المسائل الواردة أدناه والتي يجب أن تجد الاهتمام اللازم بدءاً من هذا المهرجان وسائر الملتقيات السياسية والثقافية المماثلة.
1- هل حال المعارضة الراهن يؤهلها لأن تكون البديل الإيجابي للنظام الدكتاتوري القائم؟
2- ما دورنا في التصدي لقضايا اللاجئين والمهاجرين الارتريين؟
3- ما الذي يجب علينا القيام به للتنسيق والتناغم بين مبادرات ونضالات الداخل والخارج؟
في الختام لكم جميعاً عاطر الأمنيات بمهرجان ناجح وسعيد، والمجد والخلود لشهدائنا عموماً ولآخرهم خصوصاً السيد/ أسقدوم قبرمدهن (ودي باشاي) الذي ظل دوماً قطباً من أقطاب هذا المهرجان إعداداً ومشاركةً ونشاطاً وإسهاماً مالياً ومعنوياً وافراً.
لنناضل معاً من أجل إرساء العدالة الاجتماعية والدستور
الهزيمة والسقوط لنظام الهقدف الدكتاتوري
9 أغسطس 2014م