السودان قد يكون على وشك خسارة فرصته التاريخية للانتقال إلى ديمقراطية

2021-11-27 06:00:05 Written by  ياسين محمد عبد الله Published in المقالات العربية Read 2336 times
‫الرئيسية‬  مقالات  السودان قد يكون على وشك خسارة فرصته التاريخية للانتقال إلى ديمقراطية
مقالات - 26 نوفمبر 2021, 16:27


كانت فرصة تحول السودان إلى نظام ديمقراطي حقيقي منذ بداية شراكة العسكريين والمدنيين في أغسطس 2019 ضئيلة ثمً صارت تتضاءل باستمرار حتى وصلت إلى ما يشبه الانعدام إثر انقلاب 25 أكتوبر ولاحقاً اتفاق رئيس الوزراء مع العسكر والذي أدى إلى تخفيف الضغوط الدولية على الانقلابيين وإلى إرباك بعض القوى المدنية الرافضة للانقلاب.
يبدو أن العسكريين امتلكوا مبكراً استراتيجية واضحة تهدف إلى بناء نظام سياسي يكون تحت وصايتهم الدائمة، تُجرى فيه انتخابات في ظل قوانين يشرفوا على صياغتها وإقرارها وموازيين قوى تميل لصالحهم، نظام يكون منسجماً مع محيطه الإقليمي ومندمجاً في النظام الدولي مما يساعده على الإفلات من العزلة والعقوبات.
سعى العسكر، الذين توفرت لهم عوامل قوة عديدة؛ أدوات القمع، الوحدة الداخلية، المال والدعم الإقليمي، سعوا منذ انقلابهم على البشير للحصول على دعم سياسي داخلي ليتمكنوا من البقاء في السلطة وتنفيذ أجندتهم السياسية المستقبلية. وجد الانقلابيون ثلاثة مصادر رئيسة يمكنهم أن يحصلوا منها على الدعم السياسي؛ بقايا النظام السابق، الإدارة الأهلية والحركات المسلحة.
لم يستغرق الحصول على دعم الإدارة الأهلية وقتاً طويلاً فهي مخزون يستخدمه من يمتلك السلطة. أما بقايا النظام السابق فقد كانت قدرة العسكر في الحصول على دعم سياسي منهم وستظل محدودة بسبب الشكوك بين الطرفين وارتباطات العسكر بالمحور الإقليمي الرافض للإسلام السياسي. حقق العسكر أحد أكبر الاختراقات السياسية من خلال اتفاق جوبا مع بعض الحركات المسلحة فقد حصلوا من خلال الاتفاق على كتلة اكتسبت شرعية محلية ودولية، مشابهة لهم في مرجعيتها وقد يكون لبعضها، إن لم يكن كلها، نفس رعاة العسكر الإقليميين كما ضمنوا اتفاق جوبا حشوات سُميت مسارات زادت من حظوظ الحركات المسلحة وحلفائهم العسكر في السلطة.
لم يكن الانقلاب معني فقط بمنع تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين كما تنص الوثيقة الدستورية لكنه هدف أيضا إلى تحقيق الهيمنة الكلية على مجلس السيادة لضمان تشكيل مؤسسات الفترة الانتقالية بما يخدم العسكر. حاول العسكر في البداية التخلص من الأشخاص الذين كانوا يقفون عثرة أمام هيمنتهم على مجلس السيادة من خلال المناداة بحل الحكومة وتكوين حكومة كفاءات، تشكيل تحالف سياسي ينازع قوى الحرية والتغيير شرعية تمثيل الشارع، خلق اضطرابات اجتماعية، والتشويه والتهديد لخصومهم من المدنيين وعندما فشلت تلك الوسائل لجأوا لاستخدام القوة وأعادوا صياغة موازيين القوة بما يخدم أجندتهم.
بإعادة تشكيل مجلس السيادة بموالين لهم سيكون بمقدور العسكر تكوين المؤسسات التي ستحدد ملامح مرحلة ما بعد الانتقال مثل المجلس التشريعي، مفوضية الانتخابات ومفوضية الدستور، تعيين رئيس القضاء (تم تعيينه) والنائب العام بما يضمن توظيف تلك المؤسسات وهؤلاء الأفراد لصالح استراتيجيتهم في الوصول إلى نظام سياسي مُسيطر عليه من قبلهم.
قصد العسكر من اتفاقهم مع رئيس الوزراء تخفيف الضغوط الداخلية والدولية عليهم. يبدو إنهم عرفوا طبيعة شخصية رئيس الوزراء وفهم الرجل لطبيعة دوره. الذين جاءوا بالدكتور حمدوك لرئاسة الوزارة كانوا يقرأون من نفس كتاب النظام السابق. اعتقد نظام البشير أن سبب مشكلاته الداخلية هو عزلته الدولية فأعلن عن تعيين حمدوك وزيراً للمالية عله ينجح في فك تلك العزلة قبل أن يرفض حمدوك المنصب. لم يكن لدى حمدوك ميزة عندما اُختير وزيراً لمالية النظام السابق ورئيساً لوزراء الفترة الانتقالية سوى علاقاته الدولية التي اكتسبها من عمله لفترة طويلة في المؤسسات الدولية.
عندما قال رئيس الوزراء في تبريره لإبرام الاتفاق مع العسكر أنه أراد المحافظة على الإنجازات الاقتصادية التي تحققت في الفترة الماضية إنما كان يؤكد على نفس رؤية الآخرين للدور المطلوب منه. إذا كان رئيس الوزراء يعتقد أن إنجازاته الاقتصادية ستدخله التاريخ فهو مخطئ. سيتم تقييم دوره في الفترة الانتقالية من خلال ما قدمه لقضية التحول الديمقراطي وإذا استمر في اتفاقه الحالي مع العسكر فستتم الإشارة إليه باعتباره أحد الذين قوضوا الفرصة التاريخية لانتقال السودان لنظام ديمقراطي حقيقي. هذا لا يعفى القوى المدنية الأخرى من مسؤوليتها فهي بالتأكيد أكبر من مسؤولية أي شخص مهما عظم دوره. يفترض في القوى المدنية أن تتحد الآن حول برنامج واضح يسعى لتوفير كل الشروط الضرورية لضمان انتقال البلاد إلى ديمقراطية حقيقية ورفض أية صيغة تعطي العسكر حق الوصاية على الفترة الانتقالية أو تمكنهم من تقويض الانتقال الديمقراطي.
الديمقراطية ليست فقط انتخابات كما يردد العسكر وأنصارهم فهي نظام متكامل لإدارة الدولة. سياسياً تضمن الديمقراطية حق المواطنين في اختيار حكامهم ومحاسبتهم، اقتصادياً توفر ظروف أفضل للنهوض حيث تخضع خطط التنمية والتشريعات المرتبطة بها لسلطة الشعب بما يمنع العشوائية والفساد، اجتماعياً توفر الديمقراطية فرصاً أفضل للتعايش بين مختلف تكوينات البلاد، تضمن توفير التعليم الحديث وفرص النهل من الثقافات المحلية وتطويرها والتفاعل الإيجابي مع الثقافات العالمية. تضمن الديمقراطية الحقيقية احترام حقوق الإنسان وتمنع أية انتهاكات لها وجود قضاء مستقل وإعلام حر، كما إنها ضرورية للاستقرار.
إذا لم يتم تغيير تركيبة مجلس السيادة الحالية من خلال نقل السلطة كلياً للمدنيين أو إحداث نوع من التوافق يعطي المدنيين الغلبة لتشكيل مؤسسات الفترة الانتقالية ستجد البلاد نفسها في نهاية الفترة الانتقالية تحت نير ديكتاتورية من نوع جديد فتتبدد التضحيات العظيمة التي قدمها نساء وشباب السودان في سبيل التخلص من هيمنة العسكر على السلطة وعلى موارد البلاد.

Last modified on Saturday, 27 November 2021 07:08