متى يكون التعدُّد زينة؟

2016-07-28 21:15:13 Written by  اعلام حزب الشعب الديمقراطي الارتري Published in EPDP Editorial Read 2911 times

يقول الفلاسفة إن من أهمية الخلاف أو التضاد أن ( الكون قائم علي تناقض الأشياء )، بمعنى آخر أنه لا وجود للكون بدون التناقض، إذاً أن نعيش مختلفين أمر وجودي، والخلاف أيضاً من جذور التعدُّد، فالتعدد والتباين قد يعود الي اختلاف الجنس ( النوع )، أسلوب التفكير، المعتقد، المصلحة...الخ.

 

التعدد والتباين يزين المجتمع كما تتزين الأرض بمختلف أنواع الزهور والنباتات، ولا يكون الاختلاف زينة إلا إذا أدير بحكمة واتزان. والإدارة الحكيمة لذلك التعدد لا تكون إلا بإدارته بما يضمن مصالح مكونات التعدد. فأي ميل جانبي أو أسلوب غير سوي في إدارة التعدد والاختلاف يحيل التعدد من زينة الي دمار شامل، أما الابتعاد عن الخلاف والتوجس منه واعتباره أمر خلاف وتباعد بين الناس فهو هروب من الواقع لا يجدي فتيلاً.

 

لدينا نحن الارتريين تعدد ينحدر منه الخلاف، فنحن متعددون دينياً، سياسياً، جغرافياً، عرقياً، نضالياً ( اختلاف التجربة النضالية )، وهذه كلها قابلة لأن تكون مصدراً للخلاف، لكن لو أدرنا تلك الاختلافات علي قاعدة المساواة، الحرية، العدل والنماء فستكون بالفعل زينةً وجمالاً، ولو أدرناها بالعكس فستستدير بنا الي العكس. ولكن لن يتحقق لنا ذلك إلا إذا رأينا لمن يختلف عنا بأكثر من عنصر للتعدد والاختلاف ما نراه لأنفسنا. وكل أنانية وحب للذات سوف يجعل من تعددنا وما ينتج عنه من خلافات واختلافات مصدراً للانهيار والتفتت بدلاً من الغني والجمال والتميز. علماً أن الحروب والمشكلات الناشئة في العديد من دول العالم اليوم منبعها هو الفشل في إدارة التعدد والاختلاف. وما المواجهة القائمة والمتطاولة بيننا ونظام الهقدف والخلافات العسيرة في أوساطنا كمعسكر معارضة إلا دليل علي فشلنا في إدارة تنوعنا. البعض يضع الكثرة العددية لمكونات المعارضة علي رأس عيوبها ومشاكلها. صحيح أن الكثرة السياسية والتنظيمية بهذه العددية غير المبررة أمر صادم للنفس، لكن المشكلة تعود الي عدم قدرتنا علي وضع الخلاف والتعدد ضمن عوامل القوة والبناء وليس عوامل الهدم والخلاف. لذا علي من يتهيبون الخلاف والتعدد أن يقتربوا من ساحته ليضعوه علي قضبان الطريق الصحيح والبنـَّــاء بدلاً من الهروب منه والتنكر له، إن الكثرة والتعدد لا تمنع أحداً من الاتفاق علي هدف مشترك والعمل علي تحقيقه، وهذا أسلوب نضالي ناجح ومجرب، ولا ننسى أننا في هذا العصر بالذات نعيش زمان التعدد والاختلاف، كما أن المحيط القريب والبعيد يعج بتجارب النجاح في حسن إدارة الخلاف والتعدد وعدم تجاهله.

 

في حديثنا عن الخلاف والتعدد لا ننسى أمراً من الأهمية بمكان، ألا وهو أن لا تنافس بدون وجود التعدد والخلاف، ولا وجود للتنافس دون وجود الأفكار المتباينة المتنافسة. انعدام التنافس يعني أن لا وجود لخيارات سياسية أو فكرية تقدم للشعب كي يختار من بينها ما يعجبه، وبالتالي يفرض عليه خيار أوحد شاء أم أبى. احترام تعدد خيارات الشعب يعني احترام تعدديته في أي مجال من المجالات. وكما أوضحنا آنفاً فإن حسن إدارة الخلاف والتعدد يجعل منهما زينة في عنق البلاد، وأن إتاحة الفرص أمام عملية التنافس أيضاً يستلزم وجود خيارات متعددة تنظمها قوانين البلاد. علي أن يكون التنافس حراً يضمن للمتنافسين فرص تنافس متكافئة.

 

إن تحويل الخلاف الي زينة مهمتنا جميعاً نحن الناشطين سياسياً وتنظيمياً، حيث العمل السياسي غالباً ما يكون مسرحاً للخلاف والتباين. ليس تلك مهمتنا فحسب، بل هذا ما يتوقعه منا الشعب الذي يتوقع منا الكثير. وما لم نحقق ذلك يجب أن نعترف أن بنا عيب أساسي يفرض علينا محاربته واستئصاله، علي أن لا يكون ذلك انطلاقاً مما تراه أنت فقط هو المعالجة الصحيحة لذلك العيب ومن ثم إهمال وجهة نظر الشركاء في معالجة العيب. يجب علينا أن نفتح أعيننا جيداً علي جانب الحقيقة الذي عند الآخر وأن نجتهد سوياً في إيجاد حقيقة وسطى جامعة للكل. وذلك بالطبع لا يكون باجتثاث التعدد والخلاف والرمي بهما في سلة المهملات، بل يكون بالسعي الي توسيع مساحة الاتفاق وتقليص شقة الخلاف خلال مسيرة العمل المشترك. هذا ما مرت به تجارب شعوب عديدة، لذا لا يمكن أن تتوقف مسيرته علي أبوابنا وتعطب عجلاته عندنا وتتعطل آلياته عن العمل، وعليه يجب أن نعمل معاً قبل أن يتسرب الوقت من بين أصابعنا، فالأيام كما يقولون حـُــبـَــالـَـى بكل جديد، ولا ضمان لنا أن يكون جديدها دوماً حابلاً بخير.        

Last modified on Thursday, 28 July 2016 23:19