نحو مظلة نستظل بها جميعاً
2016-01-21 20:30:25 Written by اعلام حزب الشعب الديمقراطي الارتري Published in EPDP Editorial Read 3061 timesللظل أو المأوى قيمة ومعنى كبيرين في ثقافة مجتمعنا، وهذا لا يرجع الي فوائده المباشرة فقط كأن يقينا الحر والبرد والمطر والعواصف، بل لأنه يعني لنا ما هو أكبر من ذلك، مادياً ومعنوياً، إذ إن الظل مأوى ومأمن وعزة وكبرياء وحجم ووزن، وفي مأواه ومسكنه يناقش الانسان ما يهمه من قضايا محلية، اقليمية ودولية. إذاً لا فرق بين الظل أو المأوى من جهة والمجلس الجامع أو التشاوري من جهة أخرى. المسكن أو المأوى يتنوع ويتشكل في بلادنا حسب العادات والتقاليد والتنوع المناخي، فقد يكون من الأخشاب أو الأحجار أو الطين ...الخ. وفوق هذا وذاك فإن المأوى أو الظل مكان ذو طابع اجتماعي يبذل ثماره لتؤوي من بحاجة الي مأوى وحماية. قد يؤوي المنزل الواحد أناساً من مشارب شتى والمنزل هو القاسم المشترك الوحيد بينهم وصاحب الفضل عليهم جميعاً.
الظل واحد، لكنه مأوى لكثيرين، وتحت الظل الذي يعترف سكانه بأنه ملكية مشتركة بينهم يسهم السكان بما يستطيعون من قدرات في بناء أو ترميم ما يستظلون به. وحتى يقوم الظل بوظيفة الإيواء للجميع يجب علي السكان التكاتف في بنائه والحفاظ عليه قوياً متيناً بالحرص الدائم علي وحدة القوى المقيمة علي الحد الأدنى مما يتفق عليه السكان من أهداف أو مبادئ. لا يعقل أن يضم المأوى المشترك شخصيات لا تتفق علي شيء من الأشياء، إذ لا يمكن أن يكون المنزل لبعض السكان ملجأً من البرد ولآخرين مكاناً للتلذذ باستنشاق الهواء البارد من جميع منافذ المنزل. إذاً يتوجب علي الكل التعاون مع الكل لإنجاز الأهداف المشتركة انطلاقاً من منصة المنزل الواحد ذي المصالح المتحدة والأهواء المتعددة، إذ لا نصر دون التماسك والتكاتف والحرص المشترك علي المصلحة المشتركة التي هي المأوى المشترك. وكل مأوى يقوم علي النفاق، أي علي إبطان الشر والأنانية وإظهار الحب وطيب المعشر لن يحقق سكانه نصراً ولا نجاحاً. المظلة الجامعة وسيلة لتحقيق النصر وليست في حد ذاتها نصراً تنتهي عنده الغايات.
من الناحية النظرية علي الأقل ليس بين مكونات معسكر المعارضة الارترية من خلاف علي إقامة المظلة الجامعة، لكن المشكلة تكمن في ضعف الحرص علي بناء مظلة فاعلة أو تفعيل وتمكين المظلة القائمة، وهذه إشكالية تتخلل أعمالنا كلها لا المظلة فقط. تجاربنا تؤكد أن جميعنا علي علم بما يعوق مسيرتنا نحو العمل المشترك. لكن المؤسف أننا مع إلمامنا بكلٍّ من الداء والدواء فشلنا في إيجاد العلاج المناسب. أهم أسباب هذا الفشل فتكمن في الاستبداد بالرأي وادعاء الصواب المطلق، الدوران حول متاهة المرارات القديمة، عدم التحرر من أسر التشبث بالمصالح الشخصية والفئوية الضيقة، عدم الاعتراف بعطاء الفرقاء الآخرين، النظر الي الماضي وحزازاته بدلاً من روح التسامح والنظر الي الأمام. تناسي دورنا وانتظار المبادرة من الآخرين مع أن الأمر يهم كل المعنيين به. كثرة التنظير وقلة التضحية والإنجاز تجاه كل ما يصب في المصلحة الوطنية العامة. عمداً أو بغير قصد هناك عدم اكتراث لمراعاة خصوصية الوضعية الارترية.
بما أن الهدف السياسي الأكبر ملك للجميع يجب أن ندرك أنه من المستحيل أن ينجزه كلٌّ منا وحده، وهنا تكمن ضرورة إقامة المظلة المشتركة لإنجاز ذلك الهدف المشترك. إلا أن هذا يستغرق من الزمن ما يستغرقه نضالنا السياسي. عندما ننظر الي قائمة ما أنجز وما لم ينجز من أهدافنا وأحلامنا نجد الكفة السالبة هي الراجحة. وإذا تركنا الماضي البعيد جانباً وقمنا بتقييم تجربة العشرين عاماً الأخيرة من عمر نضالنا نجد أنفسنا قد مررنا بمحاولات عديدة للم الشمل، ففي حقل الائتلافات السياسية نجد قوى سياسية ارترية قد اتحدت فيما عرف بتجمع القوى السياسية الارترية، ثم التحالف الديمقراطي الارتري، فالمجلس الوطني الارتري للتغيير الديمقراطي. إن عدم إنجازنا شيئاً ذا بال بعد كل هذه المحاولات لا شك يعتبر مقياساً كافياً لما انحدرنا اليه من ضعف. نجاحنا في إقامة المظلة الجامعة أو عدم نجاحنا له أثر علي كل ما نحلم به من أهداف قريبة أو بعيدة. تمكـُّــننا من إقامة المظلة خطوة أولى في مسيرة انتصار نضالنا الدءوب. أما إذا فشلنا في هذه المهمة فهذا بالتأكيد سيرد مسيرة إنجاز أهدافنا الي الخلف وفي أفضل الظروف يجعلها تراوح مكانها. وهناك العديد من الأمثلة والنماذج علي ما نقول وتكفي الحالة من العراق الي ليبيا مصدراً ثراً لأخذ الدروس والعبر. ومن المخزي والمخجل أن نمر علي هذه الدروس والعبر مرور الكرام بلا نظرة متفحصة ولا اعتبار.
إن إقامة المظلة الجامعة ليس مهماً فحسب، بل هو مهمة من الطراز الثقيل للغاية، وثقل وأهمية ذلك لم نستقيها من تجارب الآخرين، بل نستقيها من تجاربنا. إنها تـُــبـْــنـَـى بجهود الجميع لا بجهود القلة القليلة ولا بالطرق الملتوية والوسائل المبتسرة. قد تتم المبادرة بهذا العمل من ركنٍ ما ثم تنمو وتتسع، لكنها لا تـُــزرع اليوم لتـُــورِق وتـُـحـْــصـَــدْ غداً. كما تقدَّمَ في هذه السطور لم تثمر جهودُنا السابقة لإقامة المظلة، لكن هذا لا يغلق البابَ أمام محاولاتنا الجديدة بحجة فشل محاولاتنا السابقة، ذلك أن قصورنا أيضاً من عوامل الفشل، إذ كل نجاح في المستقبل يعتمد علي استخلاص دروس وأخطاء الماضي والحاضر. فهل نحن جاهزون لتلقي تلك الدروس؟ إن التعلم من الماضي هو اللبنة الأولى في بناء صرح المستقبل.
بما أنه لا بديل أمامنا فستظل محاولاتنا إقامة المظلة سوف تتواصل. ضمن هذه الجهود كان لقاءا فرانكفورت ونيروبي في الآونة الأخيرة، وكل تحفظ أو احتجاج علي مكان، زمان، مستضيفي، حضور وأجندة اللقاءين يأتي من قبل من لم تشملهم الدعوة بالذات ليس أمراً مستغرباً ولا يجب أن يكون مثيراً للهلع والانزعاج. المزعج والمؤسف هو أننا بدلاً من أن نعتبر ذلك خطوة في الطريق الي المظلة الجامعة للكل ونتبادل التهاني بيننا بهذا النصر، نعود للخلف ونثير الضغائن ضد من أعدوا أو شاركوا في اللقاءين، أفراداً وتنظيمات، هذا ومع احترامنا لكل من خاضوا في هذا الوحل، فإننا ننبههم الي أنهم بفعالهم هذه وإن نالوا من أشخاص أو هيئات فإن نيلهم من مصالح الشعب والوطن كان أنـْــكـَـى وأكثر. لذا يجب أن نتناسى خلافاتنا ومراراتنا كي ننقذ الوطن ببناء المظلة الجامعة التي نستظل بها جميعاً.