ترسخ المعاهدات والاتفاقيات المتعددة هوية ارتريا وسيادتها
2025-11-09 09:39:47 Written by EPDP Information Office Published in المقالات العربية Read 119 times
المعاهدات والاتفاقيات التي تُمكن العالم من المُضي قُدماً بسلام وتعاون، هي تلك التي تتمحور حول السيادة الوطنية و الوجود المشترك والمصالح المتبادلة حيث يشكل ذلك أساسا للتعايش السلمي بين الأمم . بعض هذه المعاهدات تطبق على جميع الدول ، بينما تكون آخرى ثنائياً أو ثلاثياً و هي تنظم العلاقات الدولية بين الدول.
كما أن للاتفاقيات الثنائية القدرة على التطور لتصبح اتفاقيات أوسع نطاقاً. لذلك ، فإن هذه المعاهدات والاتفاقيات تحمي عالمنا من أن يصبح ملاذاً للاقوياء . وتتحمل المنظمات الدولية والإقليمية مسؤولية تنفيذ المعاهدات والاتفاقيات وضمان اللالنزام بها. وتعد الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي ، ومنظمة الإيقاد من أبرز المؤسسات التي تضطلع بهذا الدور الحيوي.
تصبح سيادة أي دولة مقبولة لدى المجتمع الدولي من خلال مسار تاريخي وقانوني محدد، وقد مرت ارتريا ايضا بمثل هذا المسار حتى وصلت إلى وضعها الحالي ، رغم أن بعض الأطراف؛ بسبب السياسات القمعية التي تسلكها حكومة " الهقدف" يطلقوا عليها اسم"دولة بلا سيادة," ومع ذلك, فعلى الرغم من ان الطريق الذي سلكته كان مليئا بالتحديات , فأن العملية التي اصبحت من خلالها ارتريا دولة ذات سيادة لم تكن نتبجة نضال داخلي ناجح فحسب، بل دعمته أيضا سلسلة من المعاهدات والاتفاقيات المعترف بها دوليا – من بين المعاهدات التي أرست أساساً متيناً لسيادة الدولة الارترية خلال مئة وستة وثلاثين عاماً يمكن ذكر ما يلي :-
- معاهدة "ووشالي" في الثاني من مايو 1889م وُقِّعت من قبل الملك منليك الثاني معترفاً بإيطاليا حاكماً لارتريا.
- اتفاقية "أديس أبابا" في العاشر من يوليو 1896م بين منليك و ايطاليا حيث اعترفت إثيوبيا بوجود ارتريا تحت الحكم الإيطالي .
- معاهدة " أديس أبابا" في العاشر من يوليو 1900م بين إيطاليا و اثيوبيا ، حددت انهار مرب , و بلسا , و مونة، كحدود فاصلة بين الدولتين في المنطقة الوسطى.
- معاهدة الخامس من مارس 1902 م لتوضيح الحدود الشرقية بين ارتريا واثيوبيا .
- معاهدة مايو 1908م بين امبراطور اثيوبيا و الحكومة البريطانية في السودان لتحديد الحدود الإرترية السودانية في الجزء الغربي .
- معاهدة السادس عشر من أغسطس 1928م اعترفت فيها إثيوبيا بالحكم الايطالي في ارتريا وتعاهدت بالتعايش السلمي معه.
- اتفاقية الاتحاد الفدرالي في الخامس عشر من سبتمبر 1952م نصّت على اتحاد ارتريا واثيوبيا في كيانين متميزين ضمن نظام إتحاد فيدرالي .
- اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية عام 1964 م في أديس أبابا أقرّت المنظمة مبدأ احترام واستمرار الحدود الاستعمارية القائمة بين الدول الافريقية.
- في الثامن والعشرين من مايو 1991 م , وبعد سقوط النظام العسكري في اثيوبيا "الدرق" تم التوصل الى اتفاق بروتوكول اانتقالي مؤقت في لندن بين الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا و الجبهة الشعبية لتحرير تقراي والولايات المتحدة.
- الاستفتاء الارتري والاعتراف الأممي في الثامن والعشرين من مايو 1993 م بعد الاستفتاء الناجح و تم تسجيل ارتريا كدولة رقم 182 في الأمم المتحدة.
- اتفاق الجزائر في الثاني عشر من ديسمبر 2000 وقع الرئيس اسياس ورئيس وزراء إثيوبيا ملس زيناوي لإنهاء حرب الحدود الذي استمر من 1998 حتى 2000 وتأسيس لجنة حدود مستقلة.
- قرار ترسيم الحدود الارترية – الاثيوبية في الثالث عشر من مايو 2002 أعلنت اللجنة قرارها النهائي والملزم الذي قبلته الدولتين من حيث المبدأ.
هذه المعاهدات والاتفاقيات ليست مجرد رموز شكلية او التزامات تزول بزوال الحكومات التي وقعتها بل هي ملزمة لجميع الحكومات المتعاقبة لأنها وقعت باسم الشعوب والدول لا بإسم الأنظمة الحاكمة. وبناء على ذلك فإن الاتفاقيات المبرمة بين ارتريا واثيوبيا منذ الحقبة الاستعمارية ، ليست خاضعة للتغيير تبعا لتحولات الانظمة السياسية ، بل يجب احترامها وتنفيذها دون تعديل، وينبغي على الحكومات أن تدرك أن هذه المعاهدات المعترف بها دولياً ليست لتحقيق مصالح ضيقة، بل التزام قانوني وأخلاقي بهدف حماية المصالح المشتركة وصون كرامة الشعبين وضمان السلم الدائم بين الدولتين.
إن الاتفاقيات التي وُقّعت بين ارتريا و اثيوبيا خلال السنوات ال 136 الماضية كانت مكملة لبعضها البعض في تشكيل تاريخ سيادة ارتريا حتى وصلت الى وضعها الحالي ، ولا تتناقض فيما بينها، غير أن التاريخ يظهر خلال تلك المسيرة تعرضت هذه الاتفاقيات ، احياناً، لعوائق مؤقتة بسبب مصالح وتفسيرات القوى العظمى.
فعند المرحلة الحاسمة التي كان من المفترض ان تنال فيها إرتريا استقلالها فرضت عليها فدرالية قسرية مع إثيوبيا ضد ارادة شعبها ، وقد عبر وزير الخارجية الأمريكية آنذاك "جون فوستر دالاس " عن هذا الموقف بقوله - “من وجهة نظر العدالة كان ينبغي أخذ رأي الشعب الارتري في الاعتبار ، ولكن نظراً للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في البحر الأحمر، وكذلك من أجل الأمن والاستقرار الدوليين , يجب أن ترتبط ارتريا بحليفتنا اثيوبيا.” كان هذا مثالا واضحا على الإكراه وهيمنة القوى الكبرى.
في ظل تصاعد التوتر بين ارتريا واثيوبيا ، والذي ينذر بالتحول الى حرب، يطرح كثيرا القول؛ بأن " إثيوبيا بحاجة إلى منفذ بحري " ولا شك أن الحاجة الاثيوبيا الى منفذ بحري من أجل الاستيراد والتصدير أمر لا يمكن إنكاره، ومع ذلك فإن الادعاء بالسعي إلى بناء قاعدة بحرية في بحر لا تملكه، يعد أمرا غير مقبولاً؛ لأنه انتهاك للقوانين الدولية.
إن مسألة حصول الدول غير الساحلية على منفذ بحري لها إجراءات قانونية معترف بها دولياً لتنفيذها، وبما أن إثيوبيا دولة حبيسة و محاطة بدول مجاورة تمتلك سواحل ، فإن أمامها خيارات متعددة لتصبح مستخدما للموانئ ، وهذا ليس أمراً جديداً، إذ أن اثيوبيا وغيرها من الدول غير الساحلية تعمل منذ زمن طويل على هذا الأمر.
لنا في حالة أوغندا مثال قريب حيث تستخدم ميناء مومباسا في كينيا للوصول الى البحر، أما ما نراه اليوم بالانتقال من فكرة "الاستفادة" إلى "الملكية " ومحاولة المساس بسيادة ارتريا ، فليس منسجما مع ما تدعيه إثيوبيا بأنها "عضو مؤسس في الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي، موقعةً على العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية والإقليمية.
لذلك ينبغي على الشعوب الاثيوبية أن تتأمل هذا الأمر بعمق، وألا تنجر خلف إدعاءات متطرفة تنطلق من أغراض سياسية.