كلمة السيد/ ولد يسوس في الذكرى العاشرة لرحيل الشهيد/ سيوم عقباميكائيل

2016-01-18 18:33:55 Written by  اعلام حزب الشعب الديمقراطي Published in EPDP News Read 1945 times

أعزائي أسرة الشهيد سيوم

السادة والسيدات رفاق وأصدقاء ومعارف الشهيد سيوم

 

في البدء أتقدم بالتحايا القلبية لأبناء وبنات الشهيد سيوم: ليلي، دستيني، سلمون، سامسون، بآولوس وعايدة سيوم ولوالدتهم العزيزة رفيقة درب الشهيد وشريكة حياته السيدة/ أزمارا. كما أشيد بمبادرة الأسرة بتنظيم هذا الإحياء التذكاري لهذه المناسبة الاستثنائية، أيضاً أبعث بدعواتي بالرحمة والغفران للراحلة/ طقي بآولوس وكل شهدائنا الأبرار، كذلك أزجي تحية عطرة للسيدة/ إيلسا عقباميكائيل شقيقة الراحل الشهيد التي نعتبرها ظلاً من روح وأخلاق وطباع الشهيد يظللنا طيفه نحن والأسرة كلما شاهدناها.

 

ثم أتوجه بخطاب خاص لابنتنا/ عايدة بكر عائلة الشهيد ولسائر أبناءنا وبناتنا، أبناء وبنات الشهيد فأقول لهم: حقَّ لكم أن تفخروا بانتمائكم لهذا البطل المحارب الذي نذر حياته كلها مدافعاً عن الشعب والنبل والشموخ، وأفنى عمره يتمنى أن تأخذوا أنتم بدوركم راية النضال فتدافعوا عن المبادئ السامية التي وهبها حياته بكاملها، وأنا علي يقين بأنكم جميعاً أهل لذلك.

 

لقد مرت عشر سنوات علي رحيل الشهيد وآن لنا أن نحيي فيها ذكرى رحيله عن دنيانا، هذا لا يعني أن الشهيد غاب عن ذاكرتنا بمفارقته الدنيا جسدياً، إنه لا يمر علينا وقت إلا ونحن في ذكراه وتذكـُّــر أيامه النبيلة بين ظهرانينا. إلا أن ما يجعل هذه الذكرى ذات طابع خاص هو كونها تجمعنا بأسرته الكريمة التي ذكرت لكم أسماء أفرادها فرداً، فرداً.

 

 

أذكر أنني في ذلك اليوم العصيب، يوم رحيل الشهيد، خنقتني العبرات عن الإسهاب في التعبير عن أحاسيسي أو الحديث عن مآثر الفقيد، وعندما أتأمل اليوم تلك الكلمات القليلة التي قلتها في ذلك المشهد الرهيب أجدها ذات مغزىً خاص، حاولت يومها أن أبعث عبر كلمات قلائل باثنين أو ثلاث رسائل، رسالتي الأولى والأهم، وكانت رسالتنا جميعاً، أن نجزل للشهيد الشكر وفائق التقدير، فقد جاء يوم شكره كما يقولون. وذلك للآتي:

  • لأن الشهيد كان دوماً يقدم مصلحة الوطن والآخرين علي مصالحه الذاتية.

  • في كل مجال من مجالات عمله كان يسعى الي خدمة وحدة الشعب وتحقيق الاستقلال الوطني.

  • أما بعد تحقيق الاستقلال الوطني (1991م ) فقد وهب حياته النضالية لما يستتبعه تحرير الأرض من تحرير الإنسان عبر صون الحقوق والحريات الانسانية الأساسية.

  • في كل مرحلة من مراحل النضال وفي العام 1977م مثلاً كان يسلط نيران التعبئة الوطنية الوحدوية علي كل من شقَّ عصا الصمود في معركة التحرير، فكنا نعجب ونتعجب من كلماته النارية وخطابه القوي قوة إرادته الوطنية، وهذا كله أكسبه منا، نحن رفاقه، الإعجاب بل والشكر والتقدير.

 

من لا يعرف سيوم بطباعه ونشاطاته وأخلاقه الحميدة من لطف وألفة ودماثة خلق وحسن معشر وصفات قيادية نادرة فإنه لا يعرف سيوم.

كغيره من صناع التاريخ ترك فينا فراغاً روحياً كان يحجبه عنا وجوده بيننا، فعندما فقدناه فقدنا بدراً من بدور ما أظلم من ليالينا وبلسماً نداوي به جراح السنين. من يعرفه كان مستفيداً منه، أما من لم يعرفه في حياته فقد تكبد وقتاً طويلاً من الذهول وصعوبة الاستيعاب لقدرات الشهيد، ليعرف أخيراً أنه كم كان مقصراً في حق نفسه بعدم الاستفادة من تلك القدرات الاستثنائية.

 

كما نعلم جميعاً، فإن الروح والأحاسيس الوطنية عند شعبٍ ما لا تتكون بسهولة ويسر وسرعة معقولة، لذلك ومنذ ربع القرن الأخير من عمر تحرير البلاد نجد صعوبة ونعيش قلقاً تجاه البطء القاتل الذي يمر به وعي شعبنا في استيعاب مشروعية النضال من أجل الحقوق والحريات والتغيير الديمقراطي، فقط لأن التحرير عندهم يعني طرد المحتل الأجنبي من البلاد وغير ذلك ترف سياسي يمكن الاستغناء عنه. إذاً الأمر يحتاج لوقتٍ وجهدٍ كبيرين للغاية، وتجربتنا التحررية تشهد ببطء النمو في الوعي الوطني والنضالي. بل إن حجم ونوع التنظيمات السياسية يعبر عن درجة وعي الشعب، فكلما كان الشعب ناضجاً أفرز تنظيماتٍ ناضجة والعكس بالعكس، وفي هذا الحقل التوعوي الشائك أنفق سيوم معظم حياته، وفي رأيي ورأي الكثيرين فإن ما قدمه سيوم لتحرير الوطن أكبر وأفيد مما قدمه الدكتاتور إسياس المتبجح بوطنيته صباح مساء، حيث يردد: (أنا الذي جلبت لكم الاستقلال...وأنا....وأنا...). لقد كان سيوم:

  1. مناضلاً منذ سني الدراسة

  2. في الاعتقال السياسي لمدة 10 سنوات (يرافقه الشهيد/ ولد داويت) بتهمة التعبئة الوطنية ضد المستعمر قدم الوعي الوطني والتثقيف السياسي لحوالي خمسٍ وعشرين ألف معتقل.

  3. بعد تحريره من المعتقل لم يضع السلاح ويخلد للراحة بل عاد الي النضال أدراجه فمكث مقاتلاً وقائداً ميدانياً مدة 16 سنة قبل التحرير.

  4. بعد التحرير، أي منذ 1991م، واصل الطور الآخر من النضال، أي تحقيق التغيير الديمقراطي والعدالة والحقوق والحريات المدنية للانسان.

    ما يمكن قوله عن سيوم في هذا اليوم ليس بالقليل، ولكن حتى لا أستغرق الوقت كله فأحرم متحدثين كثر ينتظرونني بفارغ الصبر دعوني أطلعكم علي القليل من كنانة ذكرياتي عن الشهيد/ سيوم:

 

بداية تعارفنا:

@التقيت بالشهيدين/ سيوم وولد داويت منذ سبتمبر 1961م في صف دراسي واحد ولمدة أربع سنوات، أي طيلة المرحلة الثانوية، لم نفترق يوماً، في ذلك العام استوعبت مدرسة الأمير مكونن الثانوية بأسمرا ما لا يقل عن مائة وخمسين طالباً، وقد كان لهؤلاء المائة وخمسين أدوار بارزة وجهود مشهودة في تاريخ النضال الارتري التحرري.

@ مما لا أنساه أن سيوم لم يكن ينافسني دراسياً في اللغة الانجليزية فحسب، بل كان يشاركني الوعي السياسي المبكر ذا النفس الحار الذي أتيت به الي اسمرا من كرن، قلب السياسة الارترية النابض حينها، لذلك ولشدة تميز دوره في تنظيم وقيادة تظاهرة 1963م كنت أسمي تلك التظاهرة بتظاهرة سيوم.

@ أيضاً أذكر أنه في إحدى السنوات أحضر لنا رسماً للعلم الارتري مزوداً بالصمغ حتى نلصقه علي الحيطان كمنشور سياسي، وبتنا ونحن 6 أشخاص فقط نوزع ونلصق ذلك الملصق في جميع أرجاء أسمرا، وبالمناسبة ظل سيوم طيلة حياته معلق القلب بعلم ارتريا السماوي القديم. وربما أننا لو كنا طرحنا عليه تغييره لدخلنا معه في مأزق كبير.

 

 

التحاقه بالميدان ثم اعتقاله:

@بعد تنظيمنا تظاهرات أخرى طرح عليَّ الشهيدان/ سيوم وولد داويت الالتحاق بالميدان لأننا الثلاثة بالذات مراقبون ومطلوبون من سلطات الأمن، وبعد حصولهم علي شيء من المال ألحَّـا عليَّ بالالتحاق وعندما قدمت لهما أعذاراً منطقية أصرَّا علي رأيهما وذهبا بالفعل الي الميدان. ففي السابع عشر من مارس 1965م وَدَّعتهما الي موقف السيارات حيث استقلاَّ الأتوبيس المتجه الي مدينة غوندر الاثيوبية ليذهبا بعدها الي قرية متمة الاثيوبية الحدودية المتاخمة لمدينة القلابات السودانية ليدخلا عبرها السودان، لكن شاءت الصدف والأقدار أن ينحرف مسارهما نحو أديس أبابا فحاولا الذهاب الي جيبوتي ولكن تم القبض عليهما. لكنهما تمكنا من الإفلات الي غوندر ثانيةً وعبر متمة ذهبا الي السودان.

@في أغسطس 1965م وبعد التحاقهما بالميدان كلفا بمهمة التجنيد والتعبئة داخل المدن، فدخلا العاصمة أسمرا مُـتـَـخَـفـِّـيَــيـْـن. وهناك التقينا مجدداً وانضم الي صفوفنا آخرون مثل هيلي دروع وسراج أحمد وأستاذنا سيوم نقاسى المشتعل حماساً وطنياً...الخ ما يمكن سرده من قصة تاريخ طويلٍ وشيق لا يسمح الوقت بتفصيله.

 

لقاؤنا الثالث:

لقاءنا الثالث كان بالسودان في يونيو 1976م حيث كان سيوم يكتب المقالات التعبوية النارية وينظم الأشعار والملاحم الوطنية الحماسية ذات الصبغة التاريخية والسياسية ليطلقها لهيباً وطنياً عارماً عبر راديو أم درمان.

 

فقده الجلل:    

وفاة سيوم كشفت لنا كم كان دوره بيننا عظيماً، ولا أملك الشجاعة الكافية ولا القدرة لشرح أحاسيسي تجاه فقده الفادح، لقد شعرت وربما أيضاً شعر الكثيرون من رفاقه أن النضال توقف وأن قطار تنظيمنا السياسي قد خرج عن القضبان، لكن سرعان ما تعهد الكل أنه آن الأوان للتأهب للعب أي دور أو القيام بأي مهمة يكلف بها. والكل قدم ما يملك من مال، جهد ووقت لنسد الفجوة العميقة التي انفتحت علينا بوفاة سيوم. ولأنه لم يكن لدينا أمر سوأ علينا من موت سيوم، ألزمنا أنفسنا بالتضحية والتقشف في حياتنا لدرجة اتخاذنا قرارات مصيرية مست سائر حياتنا وحياة أسرنا.

 

 

ها نحن ورغم مرور عشر سنوات علي وفاة سيوم مقيمون في الغربة والشتات. إذاً لنتعهد من يومنا هذا ومناسبتنا هذه أن نناضل بكل الجد والصدق لتقصير مدة بقائنا في الغربة. وأن نحمل معنا في طريق العودة الي الوطن جميع رفات شهيدنا سيوم وسائر شهدائنا.

 

 

وبقدر ما أعطى سيوم وقدم لوطنه وشعبه يستحق منا وقفة إجلال وإكبار وامتنان لدوره الوطني النادر، فلنسمعه صوتنا العالي بالإصرار علي مواصلتنا دربه، درب الحرية والانعتاق.

 

المجد والخلود لشهدائنا الأبطال

لا لذهاب تضحيات شعبنا هدراً

 

هذا وشكراً علي حسن الاستماع والمتابعة

      

Last modified on Monday, 18 January 2016 19:42