من المسؤول عن معاناة اللاجئين الإرتريين في السودان ؟

2014-10-15 10:33:26 Written by  إبراهيم محمد علي Published in المقالات العربية Read 15783 times

في شهر أغسطس/آب 2014 أجرت قناة الجزيرة الفضائية مشكورة لقاءات مع أشخاص من اللاجئين الإرتريين في السودان، تحدثوا فيها عن المعاناة الطويلة في معسكرات اللجوء  التي امتدت إلى نصف قرن من الزمن تقريباً. حيث كانت البداية في عام 1967م، وذلك حينما قام جيش الاحتلال الإثيوبي بتطبيق سياسة الأرض المحروقة مستهدفاً إقليمي القاش وبركة، عقاباً لهما لكونهما مركز انطلاق الكفاح المسلح. ارتكب جيش الاحتلال الإثيوبي خلالها مجازر بشرية وحرب إبادة جماعية راح ضحيتها أرواح الآلاف من السكان القرويين الأبرياء.كما أسفرت عن اختفاء مئات القرى عن الوجود، وإجبار عشرات الآلاف على ترك مزارعهم وممتلكاتهم ومنازلهم، وعبور الحدود إلى الأراضي السودانية هرباً من الموت الذي كان يحيط بهم من جميع الاتجاهات. وبحسب الداخلية السودانية حينها فإن أعداد  الموجة الأولى، وخلال الأسبوع الأول فقط، قد بلغت ثلاثين ألف لاجئ . ولم يتوقف منذ ذلك الحين تدفق اللاجئين إلى السودان، خاصة بعد أن شملت حركة اللجوء كامل الجغرافيا الإرترية، حتى تجاوزت أعداد اللاجئين نصف مليون نسمة.

 وكان المتوقع بل  المفترض ومن الطبيعي أن يعودوا إلى وطنهم وتنتهي معاناتهم فور انتهاء أسبابها المتمثلة بوجود الاحتلال على الأرض الإرترية، والذي خرج إلى غير رجعة منذ ربع قرن. ومع ذلك لم تتح لهم فرصة العودة ووضع نهاية لمعاناتهم التي ما تزال مستمرة حتى الآن. والسؤال الذي يطرح نفسه  هنا ما هي الأسباب التي تحول دون عودتهم؟ ومن هو المسؤول عن ذلك؟

وإذا كان جيش الاحتلال مسؤولاً عن جريمة إخراج اللاجئين من منازلهم وتشريدهم إلى خارج وطنهم، فإن المسؤولية عن جريمة استمرار معاناتهم في معسكرات اللجوء البائسة وعدم عودتهم إلى وطنهم بعد ربع قرن من زوال الاحتلال وإعلان قيام الدولة الوطنية المستقلة، تقع على عاتق الحاكم الإرتري الذي حل محل الحاكم الأجنبي، والذي يدعي زوراً أنه جاء لتحرير الإرتريين من عبودية الأجنبي ومن آثاره المدمرة، وفي مقدمتها مأساة اللاجئين.

 إن المسؤولية الوطنية والمعايير الأخلاقية والإنسانية تفرض على الحاكم أسياس أفورقي العمل بجدية وإخلاص وتفانٍ لمساعدة مواطنيه ضحايا الاحتلال المشردين إلى خارج وطنهم بالعودة إليه. ولكنه للأسف لم يفعل شيئاً ولم يهتم يوماً بمأساة اللاجئين المظلومين ومعاناتهم، بل على العكس من ذلك فقد ساهم بطرق مباشرة أو غير مباشرة بوضع العوائق أحياناً بصورة متعمدة أمام عودتهم، وبالتالي استمرار معاناتهم على مدى خمس وعشرين عاماً بعد الاستقلال.

كما حدث بعد الاستقلال مباشرة، على سبيل المثال، وذلك عندما شرعت بعض المنظمات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين في تنظيم حملة تبرعات من الجهات المانحة خصيصاً لمساعدة اللاجئين الإرتريين في السودان للعودة إلى وطنهم. وعقد أول لقاء لهذا الغرض في مدينة لندن البريطانية، وإن المعلومات التي تسربت من اللقاء في حينه كانت تفيد بأن سلطات أسمرا قد تدخلت عبر وفدها بصورة متعمدة لإجهاض الجهود الخيرية للمنظمات الإنسانية؛ وذلك عندما تقدم وفدها بمطالب تعجيزية  تركزت على تسليمه الأموال لكي يتولى هو تنظيم عودة اللاجئين، الأمر الذي أثار شكوك الجهات المنظمة حول نيات الوفد، واعتبرت موقفه هذا إعلاناً غير مباشر يعبر عن رفض التعاون معها، وعن عدم استعداد السلطة في أسمرا لاستقبال اللاجئين في الداخل. ومنذ ذلك توقفت المنظمات الإنسانية الدولية عن الاهتمام بشؤون اللاجئين الإرتريين. وإذا كانت المعلومات المسربة من لقاء لندن صحيحة، فإن السلطة في أسمرا قد نجحت فعلاً ليس في حرمان اللاجئين من العودة إلى وطنهم فحسب، ,بل وفي حرمانهم أيضاً من اهتمام العالم بقضاياهم الإنسانية.

وفي وقت لاحق انتشرت أعداد من كوادر السلطة في معسكرات اللاجئين بشرق السودان، وقامت بحملات تعبوية بطريقة انتقائية وتمييزية اقتصرت على تحريض الموالين لهم للعودة  وهم أقلية، وقدمت لهم التسهيلات والضمانات التي يحتاجونها، وبعد عودتهم منعوا من العودة إلى مناطقهم الأصلية التي لجؤوا منها، وأجبرو على الاستقرار في إقليم القاش –ستيت. في حين تُركت الأغلبية الساحقة من اللاجئين لتواجه مصيراً مجهولاً في معسكرات اللجوء البائسة. علماً أن تلك الأغلبية هم لاجئون من الأقاليم الوسطى والمنخفضة التي تحملت عبء تضحيات المواجهات العسكرية التي دارت مع جيش الاحتلال هناك خلال  النصف الأول من عمر الكفاح المسلح؛ أي على مدى خمسة عشر عاماً ابتداء من انطلاقته  في العام 1961 حتى العام 1975.

وفي حقيقة الأمر فإن أفورقي و نظامه لم يكن راغباً على ما يبدو أصلاً في عودة اللاجئين من السودان؛ وذلك لدوافع سياسية اقتصادية اجتماعية. فمن ناحية، كان يخشى من عودة مئات الآلاف من غير الموالين له بل من قواعد خصمه اللدود تاريخياً؛ أي جبهة التحرير الإرترية، ما قد يشكل تهديداً لانفراده بالسيطرة على الساحة الوطنية. ومن ناحية أخرى فإن عدم عودة اللاجئين كان سيوفر له مبررات منطقية لمصادرة أراضيهم وممتلكاتهم تحت شعار الأرض ملك للدولة، وبذريعة أنهم قد تخلوا عن هويتهم الوطنية أو أنهم اختاروا العيش في الخارج.

ومما يؤكد عدم رغبة إسياس في عودة اللاجئين من السودان تصريحاته في إحدى مقابلاته الصحفية موجهاً اللوم إلى الحكومة السودانية بقوله: إنه لولا نظام الحكم الإسلامي في السودان لعاش هؤلاء اللاجئون في السودان، وما كانوا احتاجوا للعودة إلى إرتريا. هكذا يكشف عن نياته الحقيقية المعادية للحق الطبيعي للاجئين في العودة إلى وطنهم. وتسهيلاً لتحقيق رغبته غير الإنسانية تلك كان يريد من الحكومة السودانية، أو يتمنى عليها على الأقل، أن تسمح بتوطين اللاجئين في أراضيها ودمجهم في امتداد لبعض مكوناتهم في السودان، وهكذا يتخلص منهم نهائياً.

 صحيح أن إسياس ونظامه لا يتحملان مسؤولية إخراج اللاجئين من أبناء المنخفضات من ديارهم، وإنما يتحمل مسؤولية ذلك الاحتلال الإثيوبي. ولكنه أي إسياس وأركان سلطته قام بوضع العوائق بطريقة أو بأخرى أمام عودتهم أو لم يقم بواجبهم على الأقل كسلطة وطنية كما يدعي لمساعدة مواطنيه بالعودة إلى وطنهم الذي أخرجهم منه الاحتلال الأجنبي .

إن مأساة تشريد الإرتريين إلى خارج وطنهم لم تتوقف بخروج الاحتلال الأجنبي، فقد استمرت في ظل الدولة الوطنية دون انقطاع، وإذا كانت أغلبية من لجأ جراء وحشية الاحتلال الأجنبي هم من المكون المسلم، فإن أغلبية من هجروا وشردو جراء سياسة الإفقار المتعمد والإذلال وانعدام الأمن وانتهاكات حقوق الإنسان في ظل الدولة الوطنية التي يديرها إسياس أفورقي، والذين ابتلعت مياه المتوسط الكثير منهم في الطريق إلى أوروبا ومياه البحر الأحمر في الطريق إلى السعودية واليمن، هم من الشباب المسيحيين ذكوراً وإناثاً على حد سواء. وهذا دليل آخر على أن الإرتريين كافة مسيحيين  ومسلمين كما كانوا بالأمس ضحايا الاحتلال الأجنبي، هم كذلك جميعاً اليوم ضحايا الاستبداد والقهر وانتهاكات حقوق الإنسان بجميع أشكاله الذي يمارسه ضدهم الحاكم إسياس أفورقي على مدى ربع قرن من الزمان.

 وهنا أقول لكل من لديه الاعتقاد بأن إسياس وجماعته يمثلون إرادة المسيحيين ويعملون من أجل مصلحة المسيحيين هو مخطئ؛ لأن هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم ولا يعملون إلا من أجل مصالحهم الذاتية، فقد استولوا على السلطة بالقوة والإرهاب والمؤامرات، وليس عبر توافق وطني أو تفويض شعبي وانتخابات حرة. وعدوهم الأول الذي يستحق القتل هو كل من يقف في طريقهم مسلماً كان أو مسيحياً أو غير ذلك. والدليل على ذلك هو ما انتهى إليه مصير القيادات التاريخية للجبهة الشعبية، مسلمين ومسيحيين، من أمثال هيلي دروع، وبيطرس سلمون، ومحمود شريفو، وغيرهم الذين اختفوا داخل سراديب معتقلاتهم الرهيبة تحت الأرض أو فوقها.

1/10/2014

Last modified on Wednesday, 15 October 2014 12:36