دعاة للديمقراطية في السودان..... أصدقاء للديكتاتورية في إريتريا
2020-01-21 08:38:20 Written by Yaseen Mohammad Abdalla Published in المقالات العربية Read 2470 timesأرسل لي صديق بالأمس فيديو عن استطلاع أجرته وكالة الأنباء السودانية (سونا) حول الندوة التي نظمتها السفارة الإريترية في الخرطوم يوم 18 يناير.
جاء في إعلان الندوة المثبت على الحائط خلف منصة المتحدثين:
سفارة إريتريا في السودان
(لقاء الأشقاء الخرطوم - أسمرا)
نحو دبلوماسية شعبية فاعلة
كما هو واضح من الإعلان أعلاه السفارة الإريترية فقط التي نظمت الندوة.
بجانب القائم بأعمال السفارة الإريترية، شارك في الندوة كل من الدكتور الشفيع خضر، بروف البخاري الجعلي، دكتور إبراهيم الأمين والمهندس محمد فاروق، وقد أقيمت الندوة في مقر السفارة الإريترية. كنت أبحث، قبل أن يصلني هذا الفيديو، عن معلومات عن الندوة بما في ذلك ما قيل فيها لكنني لم أجد سوى مقطع فيديو (سونا) وهو يكفي الآن لأعلق على هذه الندوة.
استطلعت وكالة سونا اثنين من المتحدثين في الندوة هما الدكتور الشفيع خضر القيادي السابق في الحزب الشيوعي والدكتور إبراهيم الأمين نائب رئيس حزب الأمة وهما سياسيان ناضلاً طويلاً من أجل عملية التغيير في السودان. ليس هناك ما لفت انتباهي في حديث دكتور إبراهيم سوى مشاركته في حد ذاتها. أما الدكتور الشفيع خضر فقد ابتدر حديثه بالقول إن الندوة نظمتها جمعية الصداقة السودانية الارترية بالتعاون مع السفارة الإريترية بينما الإعلان المثبت في صدر القاعة يشير فقط للسفارة. قد تكون الدعوة وصلته باسم تلك الجمعية لكن الموثق هنا هو أن السفارة هي التي نظمته.
نادى الدكتور الخضر بإبرام اتفاقية حريات أربع بين إريتريا والسودان. السؤال هنا ألم يكن دكتور الشفيع يعلم وهو يتقدم بهذا الاقتراح أن الإرتري محروم من حرية السفر حتى بالنسبة للأطفال من سن الخامسة؟ تحدث دكتور الخضر عن (الوجود الضخم للأصدقاء الإرتريين في السودان) يا ترى ألا يعرف الدكتور إن الأغلبية العظمي من هؤلاء الأصدقاء هم لاجئون جاءوا إلى السودان هرباً من قمع النظام الذي شارك في ندوته؟
أول شيء خطر ببالي وانا أشاهد تجمع الذين حضروا ندوة السفارة الإريترية تجمع آخر لسودانيين التئم عقب ثورة أكتوبر 1964 وهو المؤتمر القومي لمناصرة نضال الشعب الإريتري الذي عقد في المعهد الفني (الآن جامعة السودان). شتان بين التجمعين؛ واحد لمناصرة الشعب الإريتري والثاني لتلميع صورة جلاده. ما كنت أتصور أن يُروج لنظام ديكتاتوري يعد الأسوأ في أفريقيا في خرطوم ما بعد ثورة ديسمبر بشعاراتها العظيمة.
لقد اضطرت القوى السياسية المعارضة لنظام الإنقاذ خلال فترة النضال المسلح للعمل من الأراضي الإريترية كما كانت المعارضة الإريترية مضطرة للعمل من الأراضي السودانية لأن النظامين الديكتاتوريين في السودان وإريتريا كانا يمنعان أي نشاط معارض من الداخل. تغيرت الظروف الآن في السودان، ففيه ثورة رفعت شعارات وقيم عظيمة وفتحت آفاقاً عريضة استبشر بها السودانيون والمنادون بالديمقراطية في المنطقة.
يمكن تفهم العلاقات الإنسانية التي قد تكون تولدت نتيجة لتواجد معارضين مثل الدكتور الشفيع الخضر في إريتريا، مع هذا أو ذاك من المسؤولين الإرتريين. لكن المشاركة في نشاط عام يهدف إلى تلميع النظام الدكتاتوري في إريتريا، والدعوة لتمتين العلاقات مع هذا النظام الديكتاتوري الذي طالب علناً أبان فترة التفاوض بين المجلس العسكري وقوى إعلان بأن يقود الفترة الانتقالية المجلس العسكري، يمثل استهتاراً بالمخاطر التي يمكن أن تتهدد الثورة السودانية وبمعاناة الشعب الإريتري المحروم من كل حقوقه الإنسانية.
يوجد في إريتريا الآلاف من المعتقلين والمختفين قسرياً بعض هؤلاء اُعتقل أو اختفى قسرياً منذ أكثر من ربع قرن. وفي اعتقادي أن الدكتور الشفيع خضر يعرف شخصياً، لكونه عاش لفترة ما في إريتريا، بعض المعتقلين والمختفين قسرياً مثل حامد حمد، إبراهيم توتيل وعبد لله جابر الذين لا يعرف أهاليهم أو أصدقاؤهم فيما إذا كانوا أحياءً أو أموات. يعرف الدكتور الشفيع بالتأكيد أنه ليس في إريتريا صحافة مستقلة وإنه لم تجر فيها أية انتخابات عامة منذ نيلها استقلالها في 1993 وإن الشباب الإريتري يمضي أكثر من 20 عاماً في الخدمة العسكرية وإن المئات من هؤلاء الشباب ماتوا غرقاً في البحار، الصحاري أو تم بيعهم لتجار الأعضاء البشرية بسبب هذه الخدمة اللعينة. وهو يعرف أيضاً أن لجنة شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد وجهت قبل أعوام قليلة تهمة ارتكاب جرائماً ضد الإنسانية ضد نظام أسياس أفورقي.
هناك مأساة غير عادية في إريتريا فإذا لم يكن بإمكان أشخاص مثل الدكتور الشفيع خضر إظهار التضامن مع الإرتريين، عليهم على الأقل ألا يقوموا بالترويج للنظام الذي تسبب في هذه المأساة والمسؤول عن استمرارها وألا يسهلوا لهذا النظام مهمة اختراق القوى السياسية في السودان بالمشاركة في حملات العلاقات العامة التي تهدف إلى تلميع صورته.