Print this page

الارترويــَّـة أكفأ محدِّد للهوية الارترية

2017-03-28 21:57:23 Written by  بقلم/ آرون ناءود Published in المقالات العربية Read 4636 times
Rate this item
(0 votes)

Arb maninnet 1

ارتريا دولة مستقلة ذات سيادة يحدها من الشرق البحر الأحمر ومن الغرب والشمال السودان ومن الجنوب تحدها اثيوبيا وجيبوتي. لكن سيادية ارتريا تختلف عن سيادية الدول الأخرى، ذلك أن السيادة الارترية لم تكن كغيرها هدايا وزعت علي المستعمرات بواسطة الدول العظمى كنتيجة من نتائج الحرب العالمية الثانية وما ساد حينها من رغبة تلك الدول في التخفف من أعباء التركة الاستعمارية الثقيلة، لذلك تكاد ارتريا تكون الدولة الوحيدة المستثناة من مصير شقيقاتها التي نالت استقلالها أو وضعت موحدةً تحت وصاية الأمم المتحدة لفترة وجيزة، مما أدى بارتريا أن تسلك طريقاً مختلفاً لنيل حقها السيادي ألا وهو حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد. وعليه تأتي الهوية والسيادة الارترية علي رأس كل الأولويات الأخرى مع حق كل ارتري في الحفاظ علي مميزاته الخصوصية التي لا يشترك فيها مع بقية مواطنيه ابتداءاً من القرية والقبيلة وصولاً الي الهوية الارترية الجامعة. وهذا ما يدفع الارتري أينما ذهب لأن يجيب علي سؤال الهوية بأنه ارتري الجنسية، وكفى بذلك فخراً وسؤددا، وبما أن الهوية ثروة وصمود وعنوان لاستمرارية وجودنا لا يخفى علينا أن هناك من يسعى الي إضعاف أو تمزيق هذه الهوية حتى تضعف وحدتنا وتتفتت قوتنا ويضمحل إحساسنا السيادي.

 

الهوية والمواطنة الارترية مثلها مثل بقية هوية الدول الافريقية تستند الي أساس قانوني متين من الاتفاقيات الدولية، وبالتالي ليس باستطاعة من هبَّ ودبَّ أن يقوِّض ذلك الأساس القانوني المتين للهوية الارترية بالتعاون مع قوى خارج الحدود وتستظل بهوية أخرى لمجرد أنه تبرم وضاق ذرعاً ببلاده. الارتروية هي هويتنا المشتركة، وهي مع ذلك لا تسلب حرياتنا وحقوقنا الانسانية الخاصة مثل حرية التعبير والتنظيم. إن تنفيس بالون أو منطاد الهوية الذي يحملنا معاً ومحاولة استخدام وسائل هدامة مهدد كبير من مهددات وحدتنا الوطنية ولا شك سوف يؤدي الي سلسلة من التبعات التي لا قبل لأحدنا بها.

 

الهوية الارترية يجب أن توضع في مقدمة الأولويات الجديرة بالحفظ والصون، لكن ذلك لا يعني عدم وجود هويات فرعية تشتمل بشملة الوطنية الكبرى. وما دمنا قد اعترفنا بأن ارتريا بلد تعددي الطبيعة فلابد أن نعلم أن هناك هويات دون الهوية الوطنية الشاملة لابد أن يكون لها مكانها في ترتيب الأولويات، فهناك مثلاً هويات فرعية حساسة كالهوية الدينية، العرقية لا تحرسها إلا المساواة، هناك أيضاً الهوية والخصوصية التي تمنحها اللغة، الثقافة، السكن ...الخ. لكن من الحق والواجب علينا أن نتعامل مع هذه الخصوصيات بما لا يضر بمكانة ومصلحة الهوية الأكبر.

 

في إطار الهوية الارترية الجامعة نعرف كيف ندير خصوصياتنا الدينية، العرقية، اللغوية، الثقافية، علي أن لا تكون هذه الخصوصيات مجرد روافد لأنهر خارج الخارطة الارترية بل تتقيد وترتبط بالهوية الوطنية، وإلا ذبلت هويتنا الارترية وبهت لونها الساطع. وإذا التزم الحد الأدنى للهوية بالحد الأعلى فمن حق الأول علي الأخير أن يمنحه الضمانات الدستورية التي تؤمن له حقوقه الخاصة كي ينمو ويزدهر داخل هويته الوطنية الكبرى.

عند الحديث عن الهوية نتحدث في المقام الأول عن الهوية الوطنية، لا المشاعر والأحاسيس الفردية، التنظيمية، القبلية، اللغوية والمناطقية. وكلما تعالت أصوات تلك المشاعر والأحاسيس الضيقة كلما ضمـُــرَ الولاء الوطني.

 

عندما ننظر الي ارتريا بهذا المنظور نجد شعب منخفضاتها الغربية يشاطر مثيله في السودان قواسم دينية، عرقية، لغوية، ثقافية مشتركة. لكن ذلك التماثل لا يقوى علي تغيير ثوابت الهوية الارترية بمجرد اجتياز الحدود الجغرافية الارترية، وإذا حدث ذلك فإنه يعني أن جدار الهوية الارترية التي جاءت بالعرق والدم بدأ يتعرض للشرخ. وذات الوضع في منخفضات ارتريا ينطبق علي معظم مواطني مرتفعاتها المحادَّة لاثيوبيا ولكن بما أن التماثل بين هذين الشعبين قد عولج ببقاء أحدهما تحت الهوية والسيادة الاثيوبية والآخر تحت الهوية والسيادة الارترية لا يعكر صفو العلاقة بينهما صراع هويات ولا تفلتات أفراد أو مجموعات. ومهما حاول بعض ضيقي الأفق والصدر من أمثال الأجعازي الي تجراي تجرنيي شحذ مطارقهم لهدم هذه الهويات الوطنية العريقة فلن يستطيعوا الإتيان بمحاولات هدم جديدة لم يستطعها الأوائل الذين سبق لهم أن عزفوا علي هذه الأنغام السمجة لكنهم لم يغيروا شيئاً له علاقة بالهويات الوطنية العريقة.

 

أما بمجر أن ضاقت عليك سبل النضال المشروعة وانحدرت الي هاوية اليأس جعلت ترقع أدلة وأسانيد لا يقبلها الواقع ولا الافتراض وتتجاوز حدودك السيادية المعترف بها دولياً لتصنع من القطع الفسيفسائية المرقعة دويلة جديدة فهذا لم يعد يطيقه أحد لا محلياً ولا دولياً.

 

في عصر العولمة يسود منطق الاندماج والتدامج لا منطق الانقسام والتشرذم، لذا علي الأجعازيين وأمثالهم أن لا يصرفوا جهودهم في الزرع في صحراء قاحلة لم يعد يلتفت اليها أحد وأن لا يستخدموا في زراعتهم أدوات فلاحة من خارج التاريخ.                          

Last modified on Wednesday, 29 March 2017 00:03